لججها؛ فما بقاءك في البحور إذا غمرتك، وفي الأمواج إذا بهزتك «١» ؟ هنالك تعرف نفسك؛ وتندم على ما كان من جرأتك، وتمسّي ما أصبحت فيه من أمان وقد حيل بين العير والنّزوان.
فأطرق ابن الزبير مليا ثم رفع رأسه فالتفت إلى من حوله، ثم قال أسألكم بالله:
أتعلمون أن أبي حواريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأن أباه أبا سفيان حارب رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ وأن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأمه هند آكلة الأكباد؟ وجدي الصدّيق، وجده المشدوخ ببدر ورأس الكفر؟ وعمتي خديجة ذات الخطر والحسب، وعمته أم جميل حمالة الحطب؟ وجدتي صفية، وجدته حمامة؟ وزوج عمتي خير ولد آدم محمد صلّى الله عليه وسلم، وزوج عمته شر ولد آدم أبو لهب سيصلي نارا ذات لهب؟ وخالتي عائشة أم المؤمنين، وخالته أشقى الأشقين؟ وأنا عبد الله، وهو معاوية؟
وقال له معاوية: ويحك يابن الزبير كيف تصف نفسك بما وصفتها؟ والله مالك في القديم من رياسة، ولا في الحديث سياسة، ولقد قدناك وسدناك قديما وحديثا، لا تستطيع لذلك إنكارا، ولا عنه فرارا، وإن هؤلاء الحضور ليعلمون أن قريشا قد اجتمعت يوم الفخار على رياسة حرب بن أمية وأن أباك وأسرتك تحت رايته راضون بإمارته غير منكرين لفضله ولا طامعين في عزله، إن أمر أطاعوا، وإن قال أنصتوا، فلم تزل فينا القيادة وعزّ الولاية؛ حتى بعث الله عز وجل محمدا صلّى الله عليه وسلم، فانتخبه من خير خلقه، من أسرتي لا أسرتك، وبني أبي لابني أبيك، فجحدته قريش أشدّ الجحود؛ وأنكرته أشدّ الإنكار وجاهدته أشدّ الجهاد، إلا من عصم الله من قريش؛ فما ساد قريشا وقادهم إلا أبو سفيان بن حرب، فكانت الفئتان تلتقيان ورئيس الهدى منا ورئيس الضلالة منا؛ فمهديّكم تحت راية مهدّينا، وضالّكم تحت راية ضالّنا؛ فنحن الأرباب، وأنتم الأذناب؛ حتى خلّص الله أبا سفيان بن حرب بفضله من عظيم شركه؛ وعصمه بالإسلام من عبادة الأصنام؛ فكان ما لم يعط في