مخلى بمفظعات من الأمور، وتحت مسألة منكر ونكير، مع ظلمة وضيق ووحشة قبر، فذاك مثواه حتى يبلى جسده ويصير ترابا؛ حتى إذا بلغ الأمر إلى مقداره، وألحق آخر الخلق بأوله، وجاءه أمر من خالقه، أراد به تجديد خلقه- أمر بصوت من سمواته فمارت السموات مورا «١» ، وفزع من فيها، وبقي ملائكتها على أرجائها، ثم وصل الأمر إلى الأرض، والخلق رفات لا يشعرون فأرج أرضهم وأرجفها وزلزلها، وقلع جبالها ونسفها وسيّرها، ودكّ بعضها بعضا من هيبته وجلاله، وأخرج من فيها فجدّدهم بعد بلائهم، وجمعهم بعد تفرّقهم، يريد أن يحصيهم ويميزهم، فريقا في ثوابه، وفريقا في عقابه، فخلد الأمر لأبده، دائما خيره وشره، ثم لم ينس الطاعة من المطيعين، ولا المعصية من العاصين، فأراد عز وجل أن يجازي هؤلاء، وينتقم من هؤلاء، فأثاب أهل الطاعة بجواره، وحلول داره، وعيش رغد، وخلود أبد، ومجاورة للرب، وموافقة محمد صلّى الله عليه وسلم، حيث لا ظعن ولا تغيّر؛ وحيث لا تصيبهم الأحزان، ولا تعترضهم الأخطار؛ ولا تشخصهم «٢» الأسفار؛ وأما أهل المعصية فخلدهم في النار، وأوثق منهم الأقدام وغلّ منهم الأيدي إلى الأعناق؛ في لهب قد اشتد حره، ونار مطبقة على أهلها لا يدخل عليها بها روح، همّهم شديد، وعذابهم يزيد، ولا مدة للدار تنقضي، ولا أجل للقوم ينتهي.
اللهم إني أسألك بأن لك الفضل والرحمة بيدك، فأنت وليهما لا يليهما أحد غيرك، وأسألك باسمك لمخزون المكنون، الذي قام به عرشك وكرسيّك وسمواتك وأرضك، وبه ابتدعت خلقك- الصلاة على محمد، والنجاة من النار برحمتك، آمين؛ إنك وليّ كريم.
وخطب أيضا فقال: أيها الناس احفظوا عني خمسا فلو شددتم إليها المطايا حتى تنضوها لم تظفروا بمثلها: ألا لا يرجونّ أحدكم إلا ربّه، ولا يخافنّ إلا ذنبه ولا يستحي أحدكم إذا لم يعلم أن يتعلم، وإذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ألا وإن