وبئس الرفيق، ودب الوشاة بموت زياد، فكلهم متحفّز للعداوة، وقد قلّص الإزرة «١» ، وشمّر عن عطافه «٢» ، ليقول؛ مضى زياد بما استلحق به، وولّى على الدنية من مستلحقه. فليت أمير المؤمنين سلم في دعته، وأسلم زيادا في ضعته، فكان ترب عامّته، وواحد رعيّته، فلا تشخص إليه عين ناظر ولا أصبع مشير، ولا تذلق «٣» عليه ألسن كلمته حيا ونبشته ميتا، فإن تكن يا أمير المؤمنين حاببت زيادا بولاء رفات، ودعوة أموات، فقد حاباك زياد بجدّ هصور وعزم جسور، حتى لانت شكائم الشّرس، وذلت صعبة الأشوس، وبذل لك يا أمير المؤمنين يمينه ويساره، تأخذ بهما المنيع، وتقهر بهما البزيع «٤» ، حتى مضى والله يغفر له؛ فإن يكن زياد أخذ بحق فأنزلنا منازل الأقربين يا أمير المؤمنين نمشي الضّرّاء «٥» وندبّ الخفاء «٦» ، ولنا من خيرك أكمله، وعليك من حوبنا «٧» أثقله، وقد شهد القوم، وما ساءني قربهم ليقرّوا حقا، ويردّوا باطلا؛ فإنّ للحقّ منارا واضحا، وسبيلا قصدا؛ فقل يا أمير المؤمنين بأي أمريك شئت، فما نأرز «٨» إلى غير جحرنا، ولا نستكثر بغير حقنا، وأستغفر الله لي ولكم.
قال: فنظر معاوية في وجوه القوم كالمتعجب، فتصفّحهم بلحظه رجلا رجلا وهو متبسم، ثم اتجه تلقاءه وعقد حبوته وحسر عن يده وجعل يوميء بها نحوه، ثم قال معاوية:
الحمد لله على ما نحن فيه؛ فكل خير منه، وأشهد أن لا إله إلا الله؛ فكل شيء خاضع له، وأنّ محمدا عبده ورسوله، دلّ على نفسه بما بان عن عجز الخلق أن يأتوا بمثله، فهو خاتم النبيين، ومصدّق المرسلين، وحجة رب العالمين، صلوات الله عليه وسلامه وبركاته، أمّا بعد، فرب خير مستور، وشر مذكور، وما هو إلا السهم الأخيب لمن طار به، والحظ المرغب لمن فاز به، فيهما التفاضل، وفيهما التغابن، وقد