أوصيكم بتقوى الله وطاعته، والعمل بكتابه وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلم، وصلة الرحم، وتعظيم ما صغرت الجبابرة من حق الله، وتصغير ما عظّمت من الباطل، وإماتة ما أحيوا من الجور، وإحياء ما أماتوا من الحقوق، وأن يطاع الله ويعصى العباد في طاعته؛ فالطاعة لله ولأهل طاعة الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ندعو إلى كتاب الله وسنة نبيه، والقسم بالسوية، والعدل في الرعية، ووضع الأخماس في مواضعها التي أمر الله بها؛ إنا والله ما خرجنا أشرا «١» ولا بطرا «٢» ولا لهوا ولا لعبا؛ ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيها ولا لثأر قد نيل منّا؛ ولكنا لمّا رأينا الأرض قد أظلمت، ومعالم الجور قد ظهرت، وكثر الادّعاء في الدين، وعمل بالهوى، وعطّلت الأحكام، وقتل القائم بالقسط «٣» ، وعنّف القائل بالحق- سمعنا مناديا ينادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، فأجبنا داعي الله، فأقبلنا من قبائل شتى، قليلين مستضعفين في الأرض، فآوانا الله وأيدنا بنصره، فأصبحنا بنعمته إخوانا، وعلى الدين أعوانا.
يأهل المدينة، أوّلكم خير أوّل، وآخركم شرّ آخر؛ إنكم أطعتم قراءكم وفقهاءكم فاختانوكم عن كتاب غير ذي عوج، بتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين؛ فأصبحتم عن الحق ناكبين «٤» ، أمواتا غير أحياء وما تشعرون.
يأهل المدينة، يا أبناء المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ما أصح أصلكم، وأسقم فرعكم! كان آباؤكم أهل اليقين، وأهل المعرفة بالدين، والبصائر النافذة، والقلوب الواعية؛ وأنتم أهل الضلالة والجهالة؛ استعبدتكم الدنيا فأذلتكم والأمانيّ فأضلتكم؛ فتح الله لكم باب الدّين فسددتموه، وأغلق عنكم باب الدنيا ففتحتموه؛ سراع إلى الفتنة، بطاء عن السّنّة «٥» ؛ عمي عن البرهان، صمّ عن العرفان؛