عبيد الطمع، حلفاء الجزع؛ نعم ما ورّثكم آباؤكم لو حفظتموه، وبئس ما تورّثون أبناءكم إن تمسكوا به! نصر الله آباءكم على الحق، وخذلكم على الباطل؛ كان عدد آبائكم قليلا طيّبا وعددكم كثير خبيث؛ اتبعتم الهوى فأرداكم واللهو فأسهاكم، ومواعظ القرآن تزجركم فلا تزدجرون، وتعبّركم فلا تعتبرون، سألناكم عن ولاتكم هؤلاء فقلتم: والله ما فيهم الذي يعدل؛ أخذوا المال من غير حلّه، فوضعوه في غير حقه؛ وجاروا في الحكم، فحكموا بغير ما أنزل الله؛ واستأثروا بفيئنا؛ فجعلوه دولة بين الأغنياء منهم، وجعلوا مقاسمنا وحقوقنا في مهور النساء وفروج الإماء. وقلنا لكم:
تعالوا إلى هؤلاء الذين ظلمونا وظلموكم، وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله. فقلتم: لا نقوى على ذلك، ووددنا أنا أصبنا من يكفينا، فقلنا: نحن نكفيكم. ثم الله راع علينا وعليكم، إن ظفرنا لنعطينّ كلّ ذي حق حقه؛ فجئنا فاتقينا الرماح بصدورنا، والسيوف بوجوهنا، فعرضتم لنا دونهم، فقاتلتمونا، فأبعدكم الله؛ فوالله لو فلتم لا نعرف الذي تقول ولا نعلمه لكان أعذر؛ مع أنه لا عذر للجاهل، ولكن أبى الله إلا أن ينطق بالحق على ألسنتكم ويأخذكم به في الآخرة.
ثم قال: الناس منا ونحن منهم، إلا ثلاثة: حاكما جاء بغير ما أنزل الله، أو متبعا له، أو راضيا بعمله.
أسقطنا في هذه الخطبة ما كان من طعنه على الخلفاء، فإنه طعن فيها على عثمان وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليهما، وعمر بن عبد العزيز، ولم يترك من جميع الخلفاء إلا أبا بكر وعمر، وكفّر من بعدهما، فلعنة الله عليه؛ إلا أنه ذكر من الخلفاء رجلا أصغى إلى الملاهي والمعازف وأضاع أمر الرعية فقال: كان فلان ابن فلان من عدد الخلفاء عندكم، وهو مضيّع للدين والدنيا، اشتري له بردان بألف دينار ائتزر بأحدهما والتحف بالآخر، وأقعد حبّابة عن يمينه، وسلامة عن يساره، فقال: يا حبابة غنيني، ويا سلامة استقيني؛ فإذا امتلأ سكرا وازدهى طربا شق ثوبيه وقال: ألا أطير؟
فطر إلى النار وبئس المصير! فهذه صفة خلفاء الله تعالى.