للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن الألفاظ المرغوب عنها، والصدور المستوحش منها في كتب السادات والملوك والأمراء، على اتفاق المعاني، مثل: أبقاك الله طويلا، وعمّرك مليا. وإن كنا نعلم أنه لا فرق بين قولهم: أطال الله بقاك، وبين قولهم: أبقاك الله طويلا؛ ولكنهم جعلوا هذا أرجح وزنا، وأنبه قدرا في المخاطبة؛ كما أنهم جعلوا: أكرمك الله وأبقاك، أحسن منزلا في كتب الفضلاء والأدباء، من: جعلت فداك، على اشتراك معناه واحتمال أن يكون فداه من الخير، كما يحتمل أن يكون فداه من الشر؛ ولولا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص: ارم فداك أبي وأمي، لكرهنا أن يكتب بها أحد؛ على أن كتّاب العسكر وعوامهم قد ولعوا بهذه اللفظة، حتى استعملوها في جميع محاوراتهم، وجعلوها هجّيراهم «١» في مخاطبة الشريف والوضيع، والكبير والصغير. ولذلك قام محمود الوراق:

كلّ من حلّ سرّ من رامن الناس ... ومن قد يداخل الأملاكا

لو رأى الكلب مائلا بطريق ... قال للكلب: يا جعلت فداكا!

وكذلك لم يجيزوا أن يكتبوا بمثل: أبقاك الله، وأمتع بك؛ إلا في الابن والخادم المنقطع إليك، وأما في كتب الإخوان فغير جائز، بل مذموم مرغوب عنه؛ ولذلك كتب عبد الله بن طاهر إلى محمد بن عبد الملك الزيات:

أحلت عما عهدت من أدبك ... أم نلت ملكا فتهت في كتبك

أم قد ترى أنّ في ملاطفة الإخوان ... نقصا عليك في أدبك

أكان حقّا كتاب ذي مقة ... يكون في صدره: وأمتع بك!؟

أتعبت كفّيك في مكاتبتي ... حسبك ممّا لقيت في تعبك

فكتب إليه محمد بن عبد الملك الزيات:

كيف أخون الإخاء يا أملي ... وكل شيء أنال من سببك