فاعف فدتك النّفوس عن رجل ... يعيش حتى الممات في أدبك
ولكل مكتوب إليه قدر ووزن، ينبغي للكاتب أن لا يجاوزه عنه ولا يقصر به دونه، وقد رأيتهم عابوا الأحوص حين خاطب الملوك خطاب العوام في قوله:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق «١» الحديث يقول ما لا يفعل
وهذا معنى صحيح في المدح، ولكنهم أجلّوا قدر الملوك أن يمدحو بما تمدح به العوام؛ لأنّ صدق الحديث وإنجاز الوعد وإن كان من المدح، فهو واجب على العامة، والملوك لا يمدحون بالفرائض الواجبة، إنما يحسن مدحهم بالنوافل لأن المادح لو قال لبعض الملوك: إنك لا تزني بحليلة جارك، وإنك لا تخون ما استودعت، وإنك لتصدق في وعدك وتفي بعهدك؛ فكأنه قد أثنى بما يجب؛ ولو قصد بثنائه إلى مقصده كان أشبه في الملوك.
ونحن نعلم أن كل أمير يتولى من أمير المؤمنين شيئا فهو أمير المؤمنين؛ غير أنهم لم يطلقوا هذه اللفظة إلا في الخلفاء خاصة.
ونحن نعلم أن الكيس هو العقل، ولكن لو وصفت رجلا فقلت: إنه لعاقل كنت مدحته عند الناس، وإن قلت: إنه لكيّس كنت قد قصّرت به عن وصفه، وصغّرت من قدره، إلا عند أهل العلم باللغة؛ لأن العامة لا تلتفت إلى معنى الكلمة. ولكن إلى ما جرت به العادة من استعمالها في الظاهر؛ إذ كان استعمال العامة لهذه الكلمة مع الحداثة والغرة وخساسة القدر وصغر السن.
وقد روينا عن علي كرم الله وجهه أنه تسمى بالكيّس حين بنى سجن الكوفة، فقال في ذلك: