نفسك؛ كنت كالجبل لا تحرّكه العواصف، ولا تزيله القواصف؛ كنت كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ضعيفا في بدنك؛ قويّا في دينك، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، جليلا في الأرض، كبيرا عند المؤمنين، لم يكن لأحد عندك مطمع ولا هوى، فالضعيف عندك قوي، والقويّ عندك ضعيف، حتى تأخذ الحق من القوي وتردّه للضعيف، فلا حرمك الله أجرك، ولا أضلّنا بعدك.
القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين أنها دخلت على أبيها في مرضه الذي توفي فيه، فقالت:
يا أبت، اعهد إليّ خاصّتك، وأنفذ رأيك في عامتك، وانقل من دار جهازك إلى دار مقامك؛ إنك محضور ومنصل بي لوعتك، وأرى تخاذل أطرافك، وانتقاع لونك؛ فإلى الله تعزيتي عنك، ولديه ثواب حزني عليك؛ أرقأ فلا أرقأ «١» وأشكو فلا أشكى.
قال: فرفع رأسه وقال:
يا أمه، هذا يوم يخلّى لي عن غطائي، وأشاهد جزائي، إن فرحا فدائم، وإن ترحا فمقيم، إني اضطلعت بإمامة هؤلاء القوم، حين كان النكوص إضاعة، والخزل «٢» تفريطا، فشهيدي الله ما كان بقلبي إلا إياه؛ فتعلقت بصحفتهم وتعللت بدرّة لقحتهم، وأقمت صلاي معهم، لا مختالا أشرا، ولا مكاثرا بطرا، ولم أعد سدّ الجوعة، ووري العورة «٣» ، وقواته القوام؛ من طوى ممعض «٤» تهفو منه الأحشاء، وتجف له الأمعاء، واضطررت إلى ذلك اضطرار الجرض «٥» إلى الماء المعيف الآجن؛ فإذا أنا متّ فردّي إليهم صحفتهم وعبدهم ولقحتهم ورحاهم، ودثارة ما فوقي اتقيت بها البرد، ودثارة ما تحتي اتقيت بها أذى الأرض، كان حشوها قطع السعف.