اخترت عثمان فعليّ أحبّ إليّ منه. قال: يا أبا إسحق، إني قد خلعت نفسي منها على أن أختار، ولو لم أفعل وجعل إليّ الخيار ما أردتها؛ إني رأيت كأني في روضة خضراء كثيرة العشب؛ فدخل فحل لم أر قطّ فحلا أكرم منه، فمرّ كأنه سهم لا يلتفت إلى شيء مما في الروضة حتى قطعها؛ ودخل بعير يتلوه فاتبع أثره حتى خرج من الروضة، ثم دخل فحل عبقري يجر خطامه «١» يلتفت يمينا وشمالا ويمضي قصد الأولين، حتى خرج من الروضة؛ ثم دخل بعير رابع فرتع في الروضة؛ ولا والله لا أكون البعير الرابع؛ ولا يقوم بعد أبي بكر وعمر أحد فيرضى الناس عنه! ثم أرسل المسوّر إلى عليّ فناجاه طويلا، وهو لا يشك أنه صاحب الأمر، ثم أرسل المسور إلى عثمان فناجاه طويلا حتى فرق بينهما أذان الصبح.
فلما صلوا الصبح جمع إليه الرهط وبعث إلى من حضره من المهاجرين والأنصار، وإلى أمراء الأجناد، حتى ارتج المسجد بأهله؛ فقال: أيها الناس إن الناس قد أحبوا أن تلحق أهل الأمصار بأمصارهم وقد علموا من أميرهم. فقال عمار بن ياسر: إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليا. فقال المقداد بن الأسود: صدق عمار، إن بايعت عليا، قلنا: سمعنا وأطعنا! قال ابن أبي سرح إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان. فقال عبد الله بن أبي ربيعة صدق؛ إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا! فشتم عمار ابن أبي سرح، وقال: متى كنت تنصح المسلمين! فتكلم بنو هاشم وبنو أمية.
فقال عمار: أيها الناس، إن الله أكرمنا بنبيه، وأعزنا بدينه فأنّى تصرفون هذا الأمر عن بيت نبيكم؟
فقال له رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا بن سمية، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها! فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن، افرغ قبل أن يفتتن الناس.