نجيّ لا يزال يعد ذنبا ... لتقطع وصل حبلك من حبالي «١»
فيوشك أن يريحك من أذاتي ... نزولي في المهالك وارتحالي
وتجهز للخروج، فلم يتخلف عنه أحد، حتى كان فيمن خرج أبو أيوب الأنصاري صاحب النبي صلّى الله عليه وسلم.
قال العتبي: وحدثني أبو إبراهيم قال: أرسل معاوية إلى ابن عباس، قال: يا أبا العباس، إن أحببت خرجت مع ابن أخيك فيأنس بك ويقرّبك، وتشير عليه برأيك؛ ولا يدخل الناس بينك وبينه فيشغلوا كل واحد منكما عن صاحبه؛ وأقلّ من ذكر حقك، فإنه إن كان لك فقد تركته لمن هو أبعد منا حبا، وإن لم يكن لك فلا حاجة بك إلى ذكره، مع أنه صائر إليك، وكل آت قريب، ولتجدنّا إذا كان ذلك خيرا لكم منا.
فقال ابن عباس: والله لئن عظمت عليك النعمة في نفسك لقد عظمت عليك في يزيد، وأما ما سألتني من الكف عن ذكر حقي، فإني لم أغمد سيفي وأنا أريد أن أنتصر بلساني. ولئن صار هذا الأمر إلينا ثم وليكم من قومي مثلي كما ولينا من قومك مثلك، لا يرى أهلك إلا ما يحبون.
قال: فخرج يزيد، فلما صار على الخليج «٢» ثقل أبو أيوب الأنصاري فأتاه يزيد عائدا، فقال: ما حاجتك أبا أيوب؟ فقال: أما دنياكم فلا حاجة لي فيها، ولكن قدّمني ما استطعت في بلاد العدو، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:«يدفن عند سور القسطنطينية رجل صالح؛ أرجو أن أكون هو! ... » .
فلما مات أمر يزيد بتكفينه، وحمل على سريره، ثم أخزج الكتائب، فجعل قيصر يرى سريرا يحمل والناس يقتتلون فأرسل إلى يزيد: ما هذا الذي أرى؟