فخرج حتى قدم المدينة، فخرج إليه أهلها في عدة وهيئة وجموع كثيرة لم ير مثلها؛ فلما رآهم أهل الشام هابوهم وكرهوا قتالهم؛ فأمر مسلم بن عقبة بسريره فوضع بين الصفين وهو عليه مريض وأمر مناديا ينادي: قاتلوا عن أميركم أو دعوه فجدّ الناس في القتال، فسمعوا التكبير من خلفهم في جوف المدينة، فإذا قد اقتحم عليهم بنو حارثة أهل الشام وهم على الجدّ، فانهزم الناس، وعبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغط نوما، فلما فتح عينيه فرأى ما صنعوا أمر أكبر بنيه! فتقدم حتى قتل، فلم يزل يقدم واحدا واحدا حتى أتي على آخرهم، ثم كسر غمد سيفه، وقاتل حتى قتل! ودخل مسلم بن عقبة المدينة، وتغلب على أهلها، ثم دعاهم إلى البيعة على أنهم خول «١» ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم؛ فبايعوا حتى أتي بعبد الله بن زمعة، فقال له: بايع على أنك خول لأمير المؤمنين يحكم في مالك ودمك وأهلك! قال: لن أبايع على أني بزعم أمير المؤمنين يحكم في دمي ومالي وأهلي. فقال مسلم بن عقبة: اضربوا عنقه. فوثب مروان بن الحكم فضمّه إليه وقال: نبايعك على ما أحببت. فقال: لا والله لا أقيلها إياه أبدا؛ إن تنّحي وإلّا فاقتلوهما جميعا، فتركه مروان، وضرب عنقه.
وهرب عبد الله بن مطيع حتى لحق بمكة، فكان بها حتى قتل مع عبد الله بن الزبير في أيام عبد الملك بن مروان، وجعل يقاتل أهل الشام وهو يقول:
أنا الذي فررت يوم الحرّه ... والشّيخ لا يفرّ إلّا مرّة
فاليوم أجزي كرّة بفرّه ... لا بأس بالكرّة بعد الفرّه
أبو عقيل الدّورقي قال: سمعت أبا نضرة يحدث، قال: دخل أبو سعيد الخدري يوم الحرّة في غار، فدخل عليه رجل من أهل الشام، وفي عنق أبي سعيد السيف،