وقال زفر بن الحارث لعبد الملك بن مروان: الحمد لله الذي نصرك على كرّه من المؤمنين. فقال أبو زعيزعة: ما كره ذلك إلا كافر. فقال زفر: كذبت، قال الله لنبيه: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ
«١» .
وبعث عبد الملك بن مروان إلى المدينة حبيش بن دلجة القيني في سبعة آلاف فدخل المدينة وجلس على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فدعا بخبز ولحم فأكل، ثم دعا بماء فتوضأ على المنبر، ثم دعا جابر بن عبد الله صاحب النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: تبايع لعبد الملك بن مروان أمير المؤمنين بعهد الله عليك وميثاقه، وأعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه في الوفاء، فإن خنتنا فهراق «٢» الله دمك على ضلاله. قال: أنت أطوق لذلك مني، ولكن أبايعه على ما بايعت عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الحديبية، على السمع والطاعة.
ثم خرج ابن دلجة من يومه ذلك إلى الربذة، وقدم على أثره من الشام رجلان مع كل واحد منهما جيش، ثم اجتمعوا جميعا في الرّبذة، وذلك في رمضان سنة خمس وستين وأميرهم ابن دلجة.
وكتب ابن الزبير إلى العباس بن سهل الساعدي بالمدينة أن يسير إلى حبيش بن دلجة، فصار حتى لقيه بالربذة.
وبعث الحراث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وهو عامل ابن الزبير على البصرة، مددا إلى العباس بن سهل: حنيف بن السّجف في تسعمائة من أهل البصرة، فساروا حتى انتهوا إلى الربذة.
فبات أهل البصرة وأهل المدينة يقرءون القرآن ويصلّون، وبات أهل الشام في المعازف والخمور؛ فلما أصبحوا غدوا على القتال، فقتل حبيش بن دلجة ومن معه، فتحصن منهم خمسمائة رجل من أهل الشام على عمود الربذة، وهو الجبل الذي عليها،