فقبّل رأسها وودعها، وضمته إلى نفسها، ثم خرج من عندها فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس، إن الموت قد تغشّاكم سحابه، وأحدق بكم ربابه «١» ، واجتمع بعد تفرّق، وارجحنّ بعد تمشّق، ورجس «٢» نحوكم رعده، وهو مفرغ عليكم ودقه «٣» ، وقائد إليكم البلايا تتبعها المنايا، فاجعلوا السيوف لها غرضا، واستعينوا عليها بالصبر. وتمثل بأبيات، ثم اقتحم يقاتل وهو يقول:
قد جدّ أصحابك ضرب الأعناق ... وقامت الحرب لها على ساق
ثم جعل يقاتل وحده ولا يهدّه شيء، كلما اجتمع عليه القوم فرّقهم وذادهم، حتى أثخن بالجراحات ولم يستطع النهوض، فدخل عليه الحجاج فدعا بالنطع فحز رأسه هو بنفسه في داخل مسجد الكعبة، لا رحم الله الحجاج! ثم بعث برأسه إلى عبد الملك بن مروان، وقتل من أصحابه من ظفر به؛ ثم أقبل فاستأذن على أمه أسماء بنت أبي بكر ليعزيها، فأذنت له، فقالت له: يا حجاج، قتلت عبد الله؟ قال: يا بنة أبي بكر، إني قاتل الملحدين. قالت: بل قاتل المؤمنين الموحدين. قال لها: كيف رأيت ما صنعت بابنك؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، ولا ضير أن أكرمه الله على يديك، فقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل! هشام بن عروة عن أبيه قال: كان عثمان استخلف عبد الله بن الزبير على الدار يوم الدار، فبذلك ادّعى ابن الزبير الخلافة.
محمد بن سعيد قال: لما نصب الحجاج راية الأمان وتصرّم الناس عن ابن الزبير، قال لعبد الله بن صفوان: قد أقلتك بيعتي وجعلتك في سعة «٤» ، فخذ لنفسك أمانا.