ونكره الإسراف والبخل، وما نعطي تبذيرا، ولا نمنع تقتيرا، وما نحن إلا خزّان الله في بلاده، وأمناؤه على عباده، فإذا أذن أعطينا، وإذا منع أبينا، ولو كان كل قائل يصدق، وكل سائل يستحق، ما جبهنا «١» قائلا، ولا رددنا سائلا؛ ونسأل الذي بيده ما استحفظنا أن يجريه على أيدينا، فإنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، إنه بعباده خبير بصير.
فقالوا يا أمير المؤمنين، لقد تكلمت فأبلغت، وما بلغ كلامه ما قصصت.
قال: إنه مبتديء، وليس المبتديء كالمقتدي.
وذكروا أن العباس بن الوليد وجماعة من بني مروان اجتمعوا عند هشام، فذكروا الوليد بن يزيد وعابوه وذموه، وكان هشام يبغضه، ودخل الوليد، فقال له العباس:
يا وليد، كيف حبّك للروميات، فإن أباك كان مشغوفا بهن؟ قال: كيف لا يكون وهن يلدن مثلك! قال: ألا تسكت يا ابن البظراء؟ قال: حسبك أيها المفتخر علينا بختان أمّك! وقال له هشام: ما شرابك يا وليد؟ قال: شرابك يا أمير المؤمنين ... وقام يخرج، فقال لهم هشام: هذا الذي زعمتموه أحمق.
وقرّب الوليد بن يزيد فرسه فجمع جراميزه «٢» ووثب على سرجه، ثم التفت إلى ولد هشام، وقال له: هل يقدر أبوك أن يصنع مثل هذا؟ قال: لأبي مائة عبد يصنعون مثل هذا. فقال الناس: لم ينصفه في الجواب.
العتبي عن أبيه، قال: سمعت معاوية بن عمرو بن عتبة يحدث قال: إني لقاعد بباب هشام بن عبد الملك، وكان الناس يتقرّبون إليه بعيب الوليد بن يزيد، قال فسمعت قوما يعيبونه، فقلت: دعونا من عيب من يلزمنا مدحه، ووضع من يجب علينا رفعه. وكانت للوليد بن يزيد عيون لا يبرحون بباب هشام، فنقلوا إليه