للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدويّ، وكان أعظم القوم قدرا، وأكبرهم سنا؛ فقال:

أصلح الله أمير المؤمنين، إن خطباء قريش قد قالت فيك ما قالت؛ وأكثرت وأطنبت؛ والله ما بلغ قائلهم قدرك، ولا أحصى خطيبهم فضلك، وإن أذنت في القول قلت. قال: قل وأوجز. قال: تولاك الله يا أمير المؤمنين بالحسنى؛ وزيّنك بالتقوى؛ وجمع لك خير الآخرة والأولى؛ إن لي حوائج، أفأذكرها؟. قال: هاتها.

قال: كبرت سنّي، ونال الدهر مني؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يجبر كسري، وينفي فقري، فعل. قال: وما الذي ينفي فقرك ويجبر كسرك؟ قال: ألف دينار، وألف دينار، وألف دينار. قال: فأطرق هشام طويلا ثم قال: يا بن أبي الجهم، بيت المال لا يحتمل ما ذكرت. ثم قال له: هيه! قال: ما هيه؟ أما والله إن الأمر لواحد، ولكنّ الله آثرك لمجلسك؛ فإن تعطنا فحقّنا أديت، وإن تمنعنا نسأل الله الذي بيده ما حويت؛ يا أمير المؤمنين، إن الله جعل العطاء محبة والمنع مبغضة. والله لأن أحبّك أحبّ إليّ من أن أبغضك؛ قال: فألف دينار لماذا؟ قال: أقضي بها دينا قد حمّ قضاؤه! «١» وعناني حمله، وأضرّ بي أهله. قال: فلا بأس، تنفس كربة، وتؤدي أمانة. وألف دينار لماذا؟ قال: أزوّج بها من بلغ من ولدي. قال: نعم المسلك سلكت، أغضضت بصرا، وأعففت ذكرا، وأمّرت «٢» نسلا. وألف دينار لماذا؟

قال: أشتري بها أرضا يعيش بها ولدي، وأستعين بفضلها على نوائب «٣» دهري، وتكون ذخرا لمن بعدي. قال: فإنا قد أمرنا لك بما سألت. قال: فالمحمود الله على ذلك، وخرج.

فأتبعه هشام بصره، وقال: إذا كان القرشي فليكن مثل هذا، ما رأيت رجلا أوجز في مقال ولا أبلغ في بيان منه، ثم قال: أما والله إنا لنعرف الحق إذا نزل،