قلت: يطيل الله عمرك، ويمتع الأمة ببقائك. ودعا بالعشاء فتعشينا، وجاءت المغرب فصلينا، وجلس فقال: اسقني. فجاءوا بإناء مغطى، وجيء بثلاث جوار، فصففن بيني وبينه حتى شرب، وذهبن فتحدثنا، واستسقى «١» ، فصنعوا مثل ذلك، فما زال كذلك: يستسقي ويتحدث ويصنعون مثل ذلك، حتى طلع الفجر؛ فأحصيت له سبعين قدحا.
علي بن عياش قال: إني عند الوليد بن يزيد في خلافته إذ أتي بشراعة من الكوفة؛ فو الله ما سأله عن نفسه ولا عن مسيره حتى قال له: يا شراعة. أنا والله ما بعثت إليك لأسألك عن كتاب الله وسنة رسوله. قال: والله لو سألتني عنهما لوجدتني فيهما حمارا. قال: إنما أرسلت إليك لأسألك عن القهوة! قال: دهقانها «٢» الخبير، ولقمانها الحكيم، وطبيبها العليم! قال: فأخبرني عن الشراب. قال: يسأل أمير المؤمنين عما بدا له. قال: ما تقول في الماء؟ قال: لا بد لي منه، والحمار شريكي فيه! قال: ما تقول في اللبن؟ قال: ما رأيته قط إلا استحييت من أمي لطول ما أرضعتني به! قال: ما تقول في السويق «٣» ؟ قال: شراب الحزين والمستعجل والمريض. قال: فنبيذ التمر؟
قال: سريع الملء، سريع الانفشاش. قال: فنبيذ الزبيب؟ قال: تلهّوا به عن الشراب. قال: ما تقول في الخمر؟ قال: أوّه! تلك صديقة روحي. قال: وأنت والله صديق روحي، فأي المجالس أحب؟ قال: ما شرب الكأس قط على وجه أحسن من السماء.
قال أبو الحسن: كان أبو كامل مضحكا غزلا مغنيا، فغنى الوليد يوما فطرب فأعطاه قلنسوة بردا «٤» كانت عليه؛ فكان أبو كامل لا يلبسها إلا في عيد، ويقول:
كسانيها أمير المؤمنين، فأنا أصونها؛ وقد أمرت أهلي إذا متّ أن توضع في أكفاني، وله يقول الوليد: