وتقطع الجيش، يتنكبون «١» العمران، فيأتون الماء فيقيمون عليه الأيام، فتمضى طائفة وتقيم الأخرى، حتى بلغ العطش منهم؛ فكانوا يتحرون الدابة فيقطعون أكراشها فيشربونه، حتى وصلوا إلى البحر بحيال المندب؛ ووافاهم عبد الله وعليه مقرمة «٢» قد جاء بها، فكانوا جميعا خمسين أو أربعين رجلا، فيهم الحجاج بن قتيبة ابن مسلم الحرون، وعفان مولى بني هاشم، فعبروا إليهم البحر في السفن، فمشوا إلى المندب، فأقاموا بها شهرا فلم تحملهم، فخرجوا إلى مكة. وقال بعضهم: أعلم بهم العامل، فخرجوا مع الحجاج عليهم ثياب غلاظ وجباب الأكرياء «٣» ، حتى وافوا جدة وقد تقطعت أرجلهم من المشي، فمرّوا بقوم فرقّوا لهم فحملوهم، وفارق عبد الله الحجاج بجدة، ثم حجوا وخرجوا من مكة إلى تبالة.
وكان على عبد الله فصّ «٤» أحمر كان قد غيّبه حين عبر إلى المندب، فلما أمن استخرجه، وكانت قيمته ألف دينار، وكان يقول وهو يمشي: ليت به دابة! حتى صار في مقرمة تكون عليه بالنهار فيلبسها بالليل؛ فقالوا: ما رأينا مثل عبد الله، قاتل فكان أشد الناس، ومشوا فكان أقواهم؛ وجاعوا فكان أصبرهم وعروا فكان أحسنهم عريا! وبعث وهو بالمندب إلى العدو الذين أخذوا أم الحكم بنت أخيه عبيد الله، ففداها وردّها إليه؛ فكانت معه.
ثم أخذ عبد الله فقدم به على المهدي، فجاءت امرأته بنت يزيد بن محمد بن مروان بن الحكم، فكلمت العباس بن يعقوب كاتب عيسى بن علي وأعطته لؤلؤا، ليكلم فيه عيسى: فكلمه وأعلمه بما أعطته؛ فلم يكلم فيه عيسى بن علي المهديّ؛ وأراد المهدي أن يقتله؛ فقال له عيسى: إن له في أعناقنا بيعة؛ وقد أعطى كاتبي قيمة ثلاثين ألف درهم. فحبسه المهدي.