ومدخل رأسه لم يدعه أحد ... بين الفريقين حتى لزّه القرن «١»
اضربوا عنقه! ثم أقبل على الغمر فقال: ما أحسب لك في الحياة بعد هؤلاء خيرا! فقال: أجل. قال: يا غلام، اضرب عنقه، فأقيم من المصلى فضرب عنقه، ثم أمر ببساط فطرح عليهم، ودعا بالطعام فجعل يأكل وأنين بعضهم تحت البساط.
وفي رواية أخرى، قال: لما قدم الغمر بن يزيد بن عبد الملك على أبي العباس السفاح في ثمانين رجلا من بني أمية، وضعت لهم الكراسي، ووضعت لهم نمارق «٢» وأجلسوا عليها، وأجلس الغمر مع نفسه في المصلى، ثم أذن لشيعته فدخلوا، ودخل فيهم سديف بن ميمون، وكان متوشحا سيفا، متنكبا قوسا، وكان طويلا آدم «٣» ، فقام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيزعم الضّلال بما حبطت أعمالهم أنّ غير آل محمد أولى بالخلافة؟ فلم وبم أيها الناس؟ لكم الفضل بالصحابة، دون حق ذوي القرابة، الشركاء في النسب، الأكفاء في الحسب، الخاصة في الحياة، الوفاة عند الوفاة، مع ضربهم على الأمر جاهلكم، وإطعامهم في اللأواء «٤» جائعكم، فكم قصم الله بهم من جبار باغ، وفاسق ظالم، لم يسمع بمثل العباس، لم تخضع له أمّة بواجب حق، أبو رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد أبيه، وجلدة ما بين عينيه، أمينه ليلة العقبة، ورسوله إلى أهل مكة، وحاميه يوم حنين، لا يردّ له رأيا، ولا يخالف له قسما؛ إنكم والله معاشر قريش ما اخترتم لأنفسكم من حيث ما اختاره الله لكم، تيميّ مرة، وعديّ مرة، وكنتم بين ظهراني قوم قد آثروا العاجل على الآجل، والفاني على الباقي، وجعلوا الصدقات في الشهوات، والفيء في اللذات والغناء. والمغانم في المحارم، إذ ذكّروا بالله لم يذكروا، وإذا قدّموا بالحق أدبروا، فذلك زمانهم، وبذلك كان يعمل سلطانهم.