قال: نعم أيها المهدي، أنت متسع الرأي، وثيق العقدة قوي المنّة «١» ، بليغ الفطنة، معصوم النية، محضور الرّويّة، مؤيّد البديهة، موفّق العزيمة، معان بالظفر، مهديّ إلى الخير؛ إن هممت ففي عزمك مواقع الظنّ، وإن أجمعت صدع فعلك ملتبس الشك، فاعزم يهد الله إلى الصواب قلبك، وقل ينطق الله بالحق لسانك، فإن جنودك جمة، وخزائنك عامرة، ونفسك سخية، وأمرك نافذ.
فأجابه المهدي: إن المشاورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة، لا يهلك عليهما رأي، ولا يتفيّل «٢» معهما حزم؛ فأشيروا برأيكم، وقولوا بما يحضركم؛ فإني من ورائكم، وتوفيق الله من وراء ذلك.
قال الربيع: أيها المهدي، إنّ تصاريف وجوه الرأي كثيرة، وإن الإشارة ببعض معاريض القول «٣» يسيرة؛ ولكنّ خراسان أرض بعيدة المسافة، متراخية الشّقة، متفاوتة السّبل، فإذا ارتأيت من محكم التّدبير، ومبرم التقدير، ولباب الصواب. رأيا قد أحكمه نظرك، وقلّبه تدبيرك، فليس وراءه مذهب لحجة طاعن، ولا دونه متعلق لخصومة عائب، ثم خبّت «٤» البرد به، وانطوت الرسل عليه. كان بالحرى ألّا يصل إليهم محكمه إلا وقد حدث منهم ما ينقضه؛ فما أيسر أن ترجع إليك الرسل وترد عليك الكتب بحقائق أخبارهم، وشوارد آثارهم، ومصادر أمورهم؛ فتحدث رأيا غيره، وتبتدع تدبيرا سواه، وقد انفرجت الحلق «٥» ، وتحلّلت العقد، واسترخى الحقاب «٦» ، وامتد الزمان. ثم لعلّما موقع الآخرة كمصدر الأولى. ولكن الرأي لك أيها المهدي وفّقك الله، أن تصرف إجالة النظر، وتقليب الفكر فيما جمعتنا له واستشرتنا فيه من التدبير لحربهم والحيل في أمرهم، إلى الطلب لرجل ذي دين