فاضل، وعقل كامل، وورع واسع، ليس موصوفا بهوى في سواك، ولا متهما في أثرة عليك، ولا ظنينا على دخلة مكروهة، ولا منسوبا إلى بدعة محذورة، فيقدح في ملكك، ويربّض الأمور لغيرك، ثم تسند إليه أمورهم، وتفوض إليه حربهم، وتأمره في عهدك ووصيتك إياه بلزوم أمرك ما لزمه الحزم، وخلاف نهيك إذا خالفه الرأي، عند استحالة الأمور واستدارة الأحوال التي ينقص أمر الغائب عنها، ويثبت رأي الشاهد لها، فإنه إذا فعل ذلك فواثب أمرهم من قريب، وسقط عنه ما يأتي من بعيد، تمت الحيلة، وقويت المكيدة، ونفذ العمل، وأحد النظر إن شاء الله.
قال الفضل بن العباس: أيها المهدي، إن وليّ الأمور، وسائس الحروب، ربما نحّى جنوده، وفرّق أمواله، في غير ما ضيق أمر حزبه. ولا ضغطة حال اضطرّته، فيقعد عند الحاجة إليها ويعد التفرقة لها عديما منها، فاقدا لها، لا يثق بقوة، ولا يصول بعدّة، ولا يفزع إلى ثقة. فالرأي لك أيها المهدي وفقك الله، أن تعفي خزائنك من الإنفاق للأموال، وجنودك من مكابدة الأسفار، ومقارعة الأخطار وتغرير القتال.
ولا تسرع للقوم في الإجابة إلى ما يطلبون، والإعطاء لما يسألون، فيفسد عليك أدبهم، وتجرّيء من رعيتك غيرهم؛ ولكن اغزهم بالحيلة، وقاتلهم بالمكيدة، وصارعهم باللين، وخاتلهم بالرفق «١» ، وأبرق لهم بالقول، وأرعد نحوهم بالفعل، وابعث البعوث، وجند الجنود وكتّب الكتائب، واعقد الألوية، وانصب الرايات، وأظهر أنك موجّه إليهم الجيوش مع أحنق «٢» قوادك عليهم، وأسوئهم أثرا فيهم، ثم ادسس الرسل، وابثث الكتب، وضع بعضهم على طمع من وعدك، وبعضا على خوف من وعيدك، وأوقد بذلك وأشباهه نيران التحاسد فيهم، واغرس أشجار التنافس بينهم، حتى تملأ القلوب من الوحشة، وتنطوي الصدور على البغضة، ويدخل كلّا من كلّ الحذر والهيبة؛ فإن مرام الظفر بالغيلة، والقتال بالحيلة، والمناصبة بالكتب، والمكايدة بالرسل، والمقارعة بالكلام اللطيف المدخل في القلوب، القوي الموقع من النفوس، المعقود بالحجج، الموصول بالحيل، المبنيّ على الّلين، الذي