وحدث بقي بن مخلد الفقيه قال: ما كلمت أحدا من الملوك أكمل عقلا، ولا أبلغ لفظا من الأمير محمد؛ دخلت عليه يوما في مجلس خلافته فافتتح الكلام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلّى الله عليه وسلم، ثم ذكر الخلفاء خليفة خليفة؛ فحكى كل واحد منهم بحليته ونعته ووصفه، وذكره مآثره ومناقبه، بأفصح لسان، وأبين بيان، حتى انتهى إلى نفسه فسكت.
وخرج الأمير محمد يوما متنزها إلى الرصافة ومعه هاشم بن عبد العزيز، فكان بها صدر نهاره على لذّاته، فلما أمسى واختلط الظلام رجع منصرفا إلى القصر وبه اختلاط؛ فأخبرني من سمعه وهاشم يقول له: يا سيدي يا بن الخلائف، ما أطيب الدنيا لولا، قال له: لولا ماذا؟ قال: لولا الموت! قال له: يا بن اللخناء لحنت «٢» في كلامك؛ وهل ملكنا هذا الملك الذي نحن فيه إلا بالموت، ولولا الموت ما ملكناه أبدا.
وكان الأمير محمد غزّاء لأهل الشرك والخلاف، وربما أوغل في بلاد العدوّ الستة الأشهر أو أكثر، يحرق وينسف، وله في العدوّ وقيعة وادي سليط، وهي من أمهات الوقائع؛ لم يعرف مثلها في الأندلس قبلها، وفيها يقول عباس بن فرناس، وشعره يكفينا من صفتها: