ألا وإنّ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان كبّ «١» كنانته فعجم عيدانها، فوجدني أصلبها عودا، فوجّعني إليكم؛ فإنكم طالما سعيتم في الضلالة، وسننتم سنن البغي؛ أما والله لألحونّكم «٢» لحو العصا، ولأعصبنكم عصب السّلمة «٣» ، ولأقرعنّكم قرع المروة «٤» ، ولأضربنّكم ضرب غرائب الإبل؛ والله ما أخلق إلا فريت «٥» ، ولا أعد إلا وفيت، ولا أغمز تغماز التين، ولا يقعقع لي بالشّنان «٦» .
إياي وهذه الزرافات والجماعات، وقيل وقال وما تقول، وفيم أنتم ونحو هذا؛ ومن وجدته بعد ثالثة من بعث المهلب ضربت عنقه.
ثم قال: يا غلام، اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين. فقرأ عليهم:
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الملك بن مروان إلى من بالكوفة من المسلمين، سلام عليكم.
فلم يقل أحد شيئا، فقال الحجاج: اسكت يا غلام، هذا أدب ابن نهية؛ والله لأؤدّبنهم غير هذا الأدب أو ليستقيمنّ؛ اقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنين. فلما بلغ إلى قوله: سلام عليكم، لم يبق أحد في المسجد إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام.
ثم نزل فأتاه عمير بن ضابيء فقال: أيها الأمير، إني شيخ كبير عليل، وهذا ابني أقوى على الغزو مني. قال: أجيزوا ابنه عنه؛ فإنّ الحدث «٧» أحبّ إلينا من الشيخ.
فلما ولي الرجل قال له عنبسة بن سعيد: أيها الأمير، هذا الذي ركض «٨» عثمان برجله وهو مقتول. فقال: ردّوا الشيخ. فردّوه، فقال: اضربوا عنقه! فقال فيه الشاعر: