بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله، عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف: أمّا بعد، فقد أصبحت بأمرك برما «١» ، يقعدني الإشفاق، ويقيمني الرجاء، وإذا عجزت في دار السعة وتوسّط الملك وحين المهل واجتماع الفكر أن ألتمس العذر في أمرك؛ فأنا لعمر الله في دار الجزاء وعدم السلطان واشتغال الحامّة «٢» والركون إلى الذلة من نفسي والتوقع لما طويت عليه الصحف أعجز؛ وقد كنت أشركتك فيما طوّقني الله عز وجل حمله ولاث «٣» بحقوى من أمانته في هذا الخلق المرعيّ، فدللت منك على الحزم والجدّ في إماتة بدعة وإنعاش سنة، فقعدت عن تلك ونهضت بما عاندها، حتى صرت حجة الغائب، وعذر اللاعن والشاهد القائم.
فلعن الله أبا عقيل وما نجل «٤» ، فألأم والد وأخبث نسل، فلعمري ما ظلمكم الزمان، ولا قعدت بكم المراتب، فقد ألبستكم ملبسكم، وأقعدتكم على روابي خططكم، وأحلّتكم أعلى منعتكم، فمن حافر وناقل وماتح «٥» للقلب المقعدة في القيافي المتهفيهقة «٦» ، ما تقدّم فيكم الإسلام ولقد تأخرتم، وما الطائف منا ببعيد يجهل أهله؛ ثم قمت بنفسك، وطمحت بهمّتك، وسرّك انتضاء سيفك، فاستخرجك أمير المؤمنين من أعوان روح بن زنباع وشرطته، وأنت على معاونته يومئذ محسود، فهفا «٧» أمير المؤمنين والله يصلح بالتوبة والغفران زلّته، وكأني بك وكأن ما لو لم يكن لكان خيرا مما كان؛ كلّ ذلك من تجاسرك وتحاملك على المخالفة لرأي أمير المؤمنين، فصدعت صفاتنا، وهتكت حجبنا، وبسطت يديك تحفن «٨» بهما من كرائم ذوي الحقوق اللازمة والأرحام الواشجة، في أوعية ثقيف؛ فاستغفر الله لذنب ماله عذر، فلئن استقال أمير المؤمنين فيك الرأي، فلقد جالت البصيرة في ثقيف بصالح النبيّ صلّى الله عليه وسلم، إذ ائتمنه على الصدقات وكان عبده، فهرب بها عنه، وما هو إلا اختيار