للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن الكمأة أماكنها؛ وأصابتني سحابة بالقريتين. فقاءت الأرض بعد الريّ، وامتلأت الأخاديد «١» ، وأفعمت الأودية، وجئتك في مثل وجار «٢» الضبع.

ثم قال: إيذن. فدخل رجل من بني أسد، فقال: هل وراءك من غيث؟ قال: لا، كثر والله الإعصار، وأغبرت البلاد، وأيقنّا أنه عام سنة «٣» . قال: بئس المخبر أنت.

قال: أخبرتك الذي كان.

ثم قال: إيذن. فدخل رجل من أهل اليمامة، قال: هل وراءك من غيث؟ قال:

نعم، سمعت الروّاد يدعون إلى الماء، وسمعت قائل يقول: هلم ظعنكم إلى محلة تطفأ فيها النيران، وتشتكي فيها النساء، وتنافش فيها المعزى. قال الشعبي: فلم يدر الحجاج ما قال، فقال له: تبّا لك. إنما تحدّث أهل الشام فأفهمهم. قال: أصلح الله الأمير، أخصب الناس، فكثر التمر والسمن والزبد واللبن، فلا توقد نار يختبز بها؛ وأمّا تشكى النساء، فإنّ المرأة تظل تربق «٤» بهمها، وتمخض لبنها، فتبيت: ولها أنين من عضدها وأمّا تنافش «٥» المعزى، فإنها ترى من أنواع التّمر وأنواع الشجر ونور النبات، ما يشبع بطونها ولا يشبع عيونها، فتبيت وقد امتلأت أكراشها، ولها من الكظة «٦» جرّة، فتبقى الجرّة حتى تستنزل الدرّة.

ثم قال: إيذن. فدخل رجل من الموالي كان من أشدّ الناس في ذلك الزمان، فقال له: هل وراءك من غيث؟ قال: نعم، ولكني لا أحسن أن أقول ما يقول هؤلاء.

قال: فما تحسن؟ قال: أصابتني سحابة بحلوان، فلم أزل أطأ في آثارها حتى دخلت عليك. فقال: لئن كنت أقصرهم في المطر خطبة، إنك لأطولهم بالسيف خطوة.