الحجاج قد أضرّ به أو أساء جواره. وقد كتبت في ذلك كتابين، كتابا إلى أنس بن مالك، والآخر إلى الحجاج؛ فاقبضهما ثم اخرج على البريد فإذا وردت العراق فابدأ بأنس بن مالك فادفع له كتابي، وقل له: اشتدّ على أمير المؤمنين ما كان من الحجاج إليك، ولن يأتي إليك أمر تكرهه إن شاء الله، ثم ائت الحجاج فادفع إليه كتابه، وقل له: قد اغتررت بأمير المؤمنين غرّة «١» لا أظنه يخطئك شرّها. ثم افهم ما يتكلم به وما يكون منه، حتى تفمني إياه إذا قدمت عليّ إن شاء الله.
قال إسماعيل: فقبضت الكتابين وخرجت على البريد، حتى قدمت العراق فبدأت بأنس بن مالك في منزله، فدفعت إليه كتاب أمير المؤمنين، وأبلغته رسالته؛ فدعا له وجزاه خيرا؛ فلما فرغ من قراءة الكتاب قلت له: أبا حمزة، إنّ الحجاج عامل، ولو وضع لك في جامعة «٢» لقدر أن يضرك وينفعك؛ فأنا أريد أن تصالحه. قال: ذلك إليك، لا أخرج عن رأيك. ثم أتيت الحجاج؛ فلما رآني رحب وقال: والله لقد كنت أحبّ أن أراك في بلدي هذا! قلت: وأنا والله قد كنت أحب أن أراك وأقدم عليك بغير الذي أرسلت به إليك! قال: وما ذاك؟ قلت: فارقت الخليفة وهو أغضب الناس عليك! قال: ولم؟ قال: فدفعت إليه الكتاب، فجعل يقرؤه وجبينه يعرق فيمسحه بيمينه، ثم قال: اركب بنا إلى أنس بن مالك. قلت له: لا تفعل، فإني سأتلطف به حتى يكون هو الذي يأتيك- وذلك للذي أشرت عليه من مصالحته- قال: فألقى كتاب أمير المؤمنين، فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف، أمّا بعد فإنك عبد طمت «٣» بك الأمور فطغيت، وعلوت فيها حتى جزت قدرك، وعدوت طورك، وايم الله يا بن المستفرمة «٤» بعجم زبيب الطائف، لأغمزنّك «٥»