فكذلك! سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر، قلت: أجل.
قال: يا إسحاق، هل تقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: اقرأ عليّ هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً
«١» فقرأت منها حتى بلغت:
يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً
«٢» إلى قوله: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً
«٣» قال: على رسلك؛ فيمن أنزلت هذه الآيات؟ قلت:
في عليّ. قال: فهل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين واليتيم والأسير. قال إنما نطعمكم لوجه الله؟ وهل سمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به عليا؟ قلت: لا. قال: صدقت! لأن الله جل ثناؤه عرف سيرته. يا إسحاق، ألست تشهد أن العشرة في الجنة؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين. قال: أرأيت لو أنّ رجلا قال: والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا، ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله: أكان عندك كافرا؟ قلت: أعوذ بالله! قال: أرأيت لو أنه قال: ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا، كان كافرا؟ قلت: نعم. قال: يا إسحاق، أرى بينهما فرقا. يا إسحاق، أتروي الحديث؟ قلت: نعم. قال: فهل تعرف حديث الطير؟ قلت: نعم. قال: فحدّثني به. قال: فحدّثته الحديث، فقال: يا إسحاق، إني كنت أكلمك وأنا أظنك غير معاند للحق، فأمّا الآن فقد بان لي عنادك؛ إنك توقن أن هذا الحديث صحيح. قلت: نعم؛ رواه من لا يمكنني ردّه. قال: أفرأيت من أيقن أن هذا الحديث صحيح، ثم زعم أن أحدا أفضل من عليّ- لا يخلو من إحدى ثلاثة:
من أن تكون دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنده مردودة عليه، أو أن يقول عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه، أو أن يقول إن الله عز وجل لم يعرف الفاضل من المفضول؛ فأي الثلاثة أحب إليك أن تقول؟ فأطرقت ... ثم قال: يا إسحق، لا تقل منها شيئا؛ فإنك إن قلت منها شيئا استنبتك «٤» ؛ وإن كان للحديث عندك