قال: فهذان الحالان معدومان في عليّ وقد كانا في هارون؛ فما معنى قوله:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ؟ قلت له: إنما أراد أن يطّيب بذلك نفس عليّ لمّا قال المنافقون إنه خلّفه استثقالا له. قال: فأراد أن يطيّب نفسه بقول لا معنى له؟ قال:
فأطرقت، قال: يا إسحاق، له معنى في كتاب الله بيّن. قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله عز وجل حكاية عن موسى أنه قال لأخيه هارون: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ
«١» . قلت: يا أمير المؤمنين، إن موسى خلف هارون في قومه وهو حيّ، ومضى إلى ربه، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خلّف عليّا كذلك حين خرج إلى غزاته. قال: كلا، ليس كما قلت؛ أخبرني عن موسى حين خلف هارون: هل كان معه حين ذهب إلى ربه أحد من أصحابه أو أحد من بني إسرائيل؟ قلت: لا. قال: أو ليس استخلفه على جماعتهم؟ قلت: نعم. قال: فأخبرني عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين خرج إلى عزاته: هل خلف إلا الضعفاء والنساء والصبيان؛ فأنّي يكون مثل ذلك؟ وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدل على استخلافه إياه، لا يقدر أحد أن يحتج فيه، ولا أعلم أحدا احتج به وأرجو أن يكون توفيقا من الله.
قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله عز وجل حين حكى عن موسى قوله:
«٢»«فأنت مني يا عليّ بمنزلة هارون من موسى: وزيري من أهلي، وأخي، شدّ الله به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبح الله كثيرا، ونذكره كثيرا» فهل يقدر أحد أن يدخل في هذا شيئا غير هذا ولم يكن ليبطل قول النبي صلّى الله عليه وسلم وأن يكون لا معنى له؟
قال: فطال المجلس وارتفع النهار؛ فقال يحيى بن أكثم القاضي: يا أمير المؤمنين، قد أوضحت الحق لمن أراد الله به الخير، وأثبت ما يقدر أحد أن يدفعه. قال إسحق: فأقبل علينا وقال: ما تقولون؟ فقلنا: كلنا نقول بقول أمير المؤمنين أعزه