واحد منهم على ألفين، والجماعة ثمانية الاف، فلا يعلم جيش في الجاهلية كان أكبر منه، ومن جيش يوم كسرى يوم ذي قار، ويوم شعب جبلة- فمضوا، حتى إذا كانوا ببلاد باهلة، قال جزء بن جزء بن جزء الباهلي لابنه: يا بني، هل لك في أكرومة لا يصاب أبدا مثلها؟ قال: وما ذاك؟ قال: هذا الحيّ من تميم قد ولجوا هناك مخافة، وقد قصصت أثر الجيش يريدونهم، فاركب جملي الأرحبيّ «١» ، وسر سيرا رويدا عقبة من الليل- يعني ساعة- ثمل حلّ عنه حبليه وأنخه وتوسّد ذراعه، فإذا سمعته قد أفاض بجرّته وبال فاستنقعت ثفتاته «٢» في بوله، فشدّ عليه حبله، ثم ضع السّوط عليه، فإنك لا تسأل جملك شيئا من السير الا اعطاك، حتى تصبّح القوم. ففعل ما أمره به.
قال الباهلي: فحللت بالكلاب قبل الجيش وأنا أنظر إلى ابن ذكاء- يعني الصبح- فناديت: يا صباحاه! فانهم ليثبون إليّ ليسألوني من انت، إذ أقبل رجل منهم من بني شقيق على مهر قد كان في النعم، فنادى: يا صباحاه! قد أتي على النعم! ثم كر راجعا نحو الجيش، فلقيه عبد يغوث الحارثي وهو أول الرعيل، فطعنه في رأس معدته فسبق اللبن الدم، وكان قد اصطبح «٣» ، فقال عبد يغوث: اطيعوني وامضوا بالنعم وخلوا العجائز من تميم ساقطة افواهها: قالوا: اما دون ان تنكح بناتهم فلا! وقال ضمرة بن لبيد الحماسي، ثم المذحجي الكاهن: انظروا إذا سقتم النعم «٤» ، فإن أتتكم الخيل عصبا [عصبا] ، العصبة تنتظر الاخرى حتى تلحق بها، فإن أمر القوم هيّن، وإن لحق بكم القوم ولم ينتظر بعضهم بعضا حتى يردّوا وجوه النعم، فإنّ أمرهم شديد.