وتقدمت سعد والرباب في أوائل الخيل، فالتقوا بالقوم فلم يلتفتوا إليهم، واستقبلوا النّعم ولم ينتظر بعضهم بعضا. ورئيس الرباب النعمان بن الحسحاس، ورئيس بني سعد قيس بن عاثم، وأجمع العلماء أن قيس بن عاصم كان رئيس بني تميم.
فالتقى القوم، فكان أول صريع النعمان بن الحسحاس، واقتتل القوم بقية يومهم، وثبت بعضهم لبعض حتى حجز الليل بينهم، ثم أصبحوا على راياتهم، فنادى قيس بن عاصم: يا آل سعد! ونادى عبد يغوث: يا آل سعد! قيس يدعو سعد بن زيد مناة، وعبد يغوث يدعو سعد العشيرة، فلما سمع ذلك قيس نادى: يا آل كعب! فنادى عبد يغوث: يا آل كعب! قيس يدعو كعب بن سعد، وعبد يغوث يدعو كعب بن مالك، فلما رأى ذلك قيس نادى: يا آل كعب مقاعس فلما سمعه وعلة بن عبد الله الجرمي- وكان صاحب لواء اهل اليمن- نادى: يا لمقاعس! تفاءل به فطرح له اللواء، وكان أول من انهزم، فحملت عليهم بنو سعد الرباب فهزموهم، ونادى قيس بن عاصم: يا آل تميم، لا تقتلوا إلا فارسا فإن الرجّالة لكم! ثم جعل يرتجز ويقول:
لما تولّوا عصبا هواربا ... أقسمت لا أطعن إلا راكبا «١»
إن وجدت الطعن فيهم صائبا
وقال أبو عبيدة: أمر قيس بن عاصم أن يتبعوا المنهزمة ويقطعوا عرقوب من لحقوا ولا يشتغلوا بقتلهم عن اتّباعهم فجزّوا دوابرهم، فذلك قول وعلة:
وسنكتب هذه القصيدة على وجهها. وحمى عبد يغوث اصحابه فلم يوصل إلى الجانب الذي هو فيه، فألظّ «٣» به مصاد بن ربيعة بن الحارث، فلما لحقه مصاد طعنه فألقاه عن الفرس فأسره، وكان مصاد قد أصابته طعنة في مأبضه «٤» ، وكان عرقه