يهمي- أي يسيل- فعصبه، وكتفه- يعني عبد يغوث- ثم أردفه خلفه، فنزفه الدم، فمال عن فرسه مقلوبا. فلما رأى ذلك عبد يغوث قطع كتافه وأجهز عليه وانطلق على فرسه، وذلك أول النهار، ثم ظفر به بعد في آخره. ونادى مناد قتل اليزيدون.
وشد قبيضة بن ضرار الضبي على ضمرة بن لبيد الحماسي الكاهن فطعنه فخرّ صريعا، فقال له قبيصة: ألا أخبرك تابعك بمصرعك اليوم! وأسر عبد يغوث، وأسره عصمة بن أبير التيمي.
قال أبو عبيدة: انتهى عصمة بن أبير إلى مصاد وقد أمعنوا في الطلب، فوجده صريعا، وقد كان قبل ذلك رأى عبد يغوث أسيرا في يديه، فعرف أنه هو الذي اجهز عليه، فاقتص أثره، فلما لحقه قال له: ويحك! إني رجل أحب اللين، وأنا خير لك من الفلاة والعطش! قال عبد يغوث: ومن أنت؟ قال: عصمة بن أبير. قال عبيد يغوث: أو عندك منعة؟ قال: نعم، فألقى يده في يده، فانطلق به عصمة حتى خبأه عند الاهتم، على ان جعل له من فداه جعلا «١» فوضعه الاهتم عند امرأته العبشمية «٢» ، فأعجبها جماله وكمال خلقه، وكان عصمة الذي أسره غلاما نحيفا، فقالت لعبد يغوث: من أنت؟ قال: انا سيّد القوم! فضحكت، وقالت: قبحك الله سيد قوم حين أسرك مثل هذا. ولذلك يقول عبد يغوث:
وتضحك مني شيخة عبشميّة ... كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا
فاجتمعت الرباب الى الاهتم فقالت: ثأرنا عندك، وقد قتل مصاد والنعمان، فأخرجه إلينا! فأبى الاهتم ان يخرجه اليهم، فكاد ان يكون بين الحيين: الرباب وسعد، فتنة، حتى أقبل قيس بن عاصم المنقري، فقال: أيؤتى قطع حلف الربّاب من قبلنا؟ وضرب فمه بقوس فهتمه «٣» فسمّي الأهتم، فقال الاهتم: انما دفعه إليّ عصمة ابن أبير، ولا أدفعه إلا لمن دفعه إليّ، فليجىء فيأخذه. فأتوا عصمة فقالوا: يا