أجفان الرشيد، فقال: هل بالحضرة أحد يحسن الشعر؟ فقلت: الله أكبر! رب قيد مضيقة قد فكه التيسير للإنعام! أنا صاحبك إن كان صاحبك من طلب فأدمن، وحفظ فأتقن. فأخذ بيدي. ثم قال: ادخل أن يختم الله لك بالإحسان لديه والتصويب، فلعلها أن تكون ليلة تعوّض صاحبتها الغنى. قلت: بشّرك الله بالخير! قال: ودخلت، فواجهت الرشيد في البهو جالسا كأنما ركب البدر فوق أزراره جمالا، والفضل بن يحيى إلى جانبه، والشمع يحدق به على قضب المنابر، والخدم فوق فرشه وقوف، فوقف بي الخادم حيث يسمع تسليمي، ثم قال: سلّم! فسلمت، فردّ، ثم قال: ينحّى قليلا روعه، إن وجد لروعه حسّا. فقعدت حتى سكن جأشي قليلا، ثم أقدمت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إضاءة كرمك، وبهاء مجدك، مجيران لمن نظر إليك من اعتراض أذية له، أيسألني أمير المؤمنين فأجيب، أم أبتدىء فأصيب، بيمن أمير المؤمنين وفضله؟ قال: فتبسم الفضل، ثم قال: ما أحسن ما استدعى الاختبار استسهل به المفاتحة، وأجدر به أن يكون محسنا. ثم قال الفضل: والله يا أمير المؤمنين لقد تقدّم مبرّزا محسنا في استشهاده على براءته من الحيرة، وأرجو أن يكون ممتعا. قال:
أرجو. ثم قال: ادن. فدنوت، فقال: أشاعر أم راوية؟ قلت: راوية يا أمير المؤمنين. قال: لمن؟ قلت: لذي جدّ وهزل بعد أن يكون محسنا. قال: والله ما رأيت أدعى لعلم، ولا أخبر بمحاسن بيان فتقته «١» الأذهان منك، ولئن صرت حامدا أثرك لتعرفن الإفضال متوجّها إليك سريعا. قلت: أنا على الميدان يا أمير المؤمنين، فيطلق أمير المؤمنين من عقالي مجيبا فيما أحبه قال:
قد أنصف القارة من راماها
ثم قال: ما معنى المثل في هذه الكلمة بديّا؟ قلت: ذكرت العرب يا أمير المؤمنين أن التبابعة كانت لهم رماة لا تقع سهامهم في غير الحدق، فكانت تكون في الموكب الذي يكون فيه الملك، على الجياد البلق «٢» ، بأيديهم الأسورة وفي أعناقهم الأطواق،