فخرج من موكب الصّغد فارس معلم «١» بعذبات «٢» سود في قلنسوته، قد وضع نشابته في الوتر، ثم صاح: أين رماة الحرب؟ قالوا: قد أنصف القارة من راماها.
والملك أبو حسان إذ ذاك المضاف إليه.
قال الرشيد: أحسنت، أرويت للعجاج ورؤبة شيئا؟ قلت: هما يا أمير المؤمنين يتناشدان لك بالقوافي وإن غابا عنك بالأشخاص. فمد يده فأخرج من تحت فراشه رقعة، ثم قال: أسمعني. فقلت:
أرّقني طارق هم طرقا
فمضيت فيها مضيّ الجواد في سنن ميدانه، تهدر بها أشداقي، حتى إذا صرت إلى مدح بني أمية ثنيت عنان اللسان إلى امتداحه المنصور في قوله:
قلت لزير لم تصله مريمه «٣»
قال: أعن حيرة أم عن عمد؟ قلت: عن عمد، تركت كذبه إلى صدقه فيما وصف به المنصور من مجده. قال الفضل: أحسنت بارك الله فيك، مثلك يؤمل لهذا الموقف. قال الرشيد: ارجع إلى أول هذا الشعر. فأخذت من أوله حتى صرت إلى صفة الجمل فأطلت، فقال الفضل: مالك تضيّق علينا كلّ ما اتسع لنا من مساعدة السّهر في ليلتنا هذه بذكر جمل أجرب؟ صره إلى امتداح المنصور حتى تأتي على آخره. فقال الرشيد: اسكت، هي التي أخرجتك من دارك، وأزعجتك من قرارك، وسلبتك تاج ملكك، ثم ماتت، فعمل جلودها سياطا تضرب بها قومك ضرب العبيد! ثم قهقه، ثم قال: لا تدع نفسك والتعرض لما تكره. فقال الفضل: لقد عوقبت على غير ذنب، والحمد لله! قال الرشيد: أخطأت في كلامك يرحمك الله! لو قلت:
وأستغفر الله! قلت صوابا، إنما يحمد الله على النّعم. ثم صرف وجهه إليّ وقال: ما