للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحسن ما أدّيت في قدر ما سئلت! أسمعني كلمة عدي بن الرقاع في الوليد بن يزيد ابن عبد الملك، قوله:

عرف الديار توهّما فاعتادها

فقال الفضل. يا أمير المؤمنين، ألبستنا ثوب السهر ليلتنا هذه لاستماع الكذب! لم تأمره يسمعك ما قالت الشعراء فيك وفي آبائك؟ قال: ويحك! إنه أدب وقلما يعتاض عن مثله، ولأن أسمع من ثقيف بعبارة تشغله العناية بها عمره، أحبّ إليّ من أن تشافهني به الرسوم، وللممتدح بهذا الشعر حركات سترد عليك، ولا تقدر أن تصدر من غير انتفاع بها، ولا أكون أول مستنّ طريقة ذكر لم تؤدها الرواية. قال الفضل:

قد والله يا أمير المؤمنين شاركتك في الشوق، وأعنتك على التّوق، ثم التفت إليّ الفضل فقال: احدبنا ليلتك منشدا، هذا سيدي أمير المؤمنين قد أصغى إليك مستمعا، فمرّ ويحك في عنان الإنشاد، فهي ليلة دهرك لم تنصرف إلا غانما. قال الرشيد: أما إذ قطعت على فاحلف لتشركني في الجزاء، فما كان لي في هذا شيء لم تقاسمنيه. قال الفضل: قد والله يا أمير المؤمنين وطنت «١» نفسي على ذلك متقدما فلا تجعلنّه وعيدا، قال الرشيد: لا أجعله وعيدا. قال الأصمعي: الآن ألبس رداء التّيه على العرب كلّها، وإني أرى الخليفة والوزير وهما يتناظران في المواهب لي، فمررت في سنن الإنشاد حتى بلغت إلى قوله:

تزجي أغنّ كأنّ إبرة روقه ... قلم أصاب من الدّواة مدادها «٢»

فاستوى جالسا، ثم قال: أتحفظ في هذا شيئا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، كان الفرزدق لما قال عدي:

تزجى أغنّ كأنّ إبرة روقه