هذه أيام جرت فيها العادة، بإلطاف العبيد للسادة، وإن كانت البضاعة تقصّر عما تبلغه الهمة، فكرهت أن أهدي فلا أبلغ مقدار الواجب: فجعلت هديتي هذه الأبيات، وهي:
ولمّا أن رأيت ذوي التصابي ... تباروا في هدايا المهرجان
جعلت هدّيتي ردّا مقيما ... على مرّ الحوادث والزمان
وعبدا حين تكرمه ذليلا ... ولكن لا يقرّ على الهوان «١»
يزيدك حين تعطيه خضوعا ... ويرضى من نوالك بالأماني! «٢»
وأهدى أبو العتاهية إلى بعض الملوك نعلا وكتب معها:
نعل بعثت بها لتلبسها ... رجل بها تسعى إلى المجد
لو كان يصلح أن أشرّكها ... خدّي جعلت شراكها خدّي «٣»
وأهدى عليّ بن الجهم كلبا، وكتب:
استوص خيرا به، فإن له ... عندي يدا لا أزال أحمدها
يدلّ ضيفي عليّ في غسق اللي ... ل إذا النار نام موقدها
أهدى أحمد بن يوسف ملحا مطيّبا إلى إبراهيم بن المهدي، وكتب إليه:
الثقة بك سهّلت السبيل إليك، فأهديت هدية من لا يحتشم، إلى من لا يغتنم.
وأهدى إبراهيم بن المهدي إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي جراب ملح وجراب أشنان «٤» ، وكتب إليه:
لولا أن القلة قصّرت عن بلوغ الهمة لأتعبت السابقين إلى برّك، ولكن البضاعة قعدت بالهمة، وكرهت أن تطوى صحيفة البر، وليس لي فيها ذكر؛ فبعت بالمبتدإ به