بالتحريم؛ وإنما هو جماع كجماع النكاح، وهو عن تراض وبذل، كما أن النكاح عن تراض وبذل؛ وقد يبذل في السفاح ما لا يبذل في النكاح؛ ولذلك سمّى اللَّه تبارك وتعالى المحرّمات كلها خبائث فقال تعالى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ
«١» ؛ وسمى المحلّلات كلها طيبات، فقال: يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ
«٢» ؛ وسمى كل ما جاوز أمره أو قصر عنه سرفا، وإن اقتصد فيه.
وقد ذكر الخمر فيما امتنّ به على عباده قبل تحريمها. فقال تعالى: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً
«٣» . ولو أنها رجس على ما تأولتم ما جعلها اللَّه في جنته وسماها لذة للشاربين. وإن قلتم إن خمر الجنة ليست كخمر الدنيا، لأن اللَّه نفى عنها عيوب خمر الدنيا فقال تعالى: لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ
«٤» ، فكذلك قوله في فاكهة الجنة: لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ
«٥» .
فنفى عنها عيوب فواكه الدنيا، لأنها تأتي في وقت وتنقطع في وقت، ولأنها ممنوعة إلا بالثمن، ولها آفات كثيرة، وليس في فواكه الجنة آفة.
وما سمعنا أحدا وصف الخمر إلا بضد ما ذكرتم، من طيب النسيم، وذكاء الرائحة. وقال الأخطل:
كأنها المسك نهبى بين أرحلنا ... وقد تضوّع من ناجودها الجاري «٦»
وقال آخر:
فتنفّست في البيت إذ مزجت ... كتنفّس الرّيحان في الأنف