فخرجت عجوز من الخباء فقالت له: امض لشأنك، فإن قتيلها مطلول لا يودى، وأسير مكبول لا يفدى! فقالت لها: دعيه، فإنّ له مثل قولا غيلان:
وإن لم يكن إلا تعلّل ساعة ... قليلا فإني نافع لي قليلها
فولّت العجوز وهي تقول:
وما نلت منها غير أنك نائك ... بعينيك عينيها وأيرك خائب
فنحن كذلك حتى ضرب الطبل للرحيل، فانصرفت بكمد قاتل، وكرب خابل، وأنا أقول:
يا حسرتا مما يجن فؤادي ... أزف الرحيل بعبرتي وبعادي
فلما قضينا حجنا وانصرفنا راجعين، مررنا بذلك المنزل وقد تضاعف حسنه، وتمت بهجته؛ فقلت لصاحبي: امض بنا إلى صاحبتنا! فلما أشرفنا على الخيام، وصعدنا ربوة ونزلنا وهدة، إذا هي تتهادى بين خمس ما تصلح أن تكون خادما لأدناهنّ، وهنّ يجنين من نور ذلك الزهر.
فلما رأيننا وقفنا وقلنا: السلام عليكنّ. فقالت من بينهنّ: وعليك السلام، ألست صاحبي؟ قلت: بلى! قلن: وتعرفينه؟ قالت: نعم! وقصت عليهنّ القصة ما خرمت حرفا.
قلن لها: ويحك! ما زوّديته شيئا يعلل به! قالت: بلى زوّدته لحدا ضامرا، وموتا حاضرا! فانبرت لها أنضرهنّ خدّا، وأرشقهنّ قدّا، وأسحرهنّ طرفا، وأبرعهنّ شكلا؛ فقالت: واللَّه ما أحسنت بدءا، ولا أجملت عودا، ولقد أسأت في الردّ، ولم تكافئيه على الودّ: فما عليك لو أسعفته بطلبته، وأنصفته في مودّته، وإنّ المكان لخال، وإن معك من لا ينم عليك؟