للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إنّ العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا الّلبّ حتى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق اللَّه إنسانا

ثم قمت لأصلح من أمر فرسي، فرجعت وقد حسر العمامة عن رأسه؛ وإذا غلام كأنّ وجهه دينار هرقلي، فقلت: سبحانك اللهم! ما أعظم قدرتك! قال: فكيف؟

قلت: ذلك مما راعني من نورك، وبهرني من جمالك! قال: وما الذي يروعك من زرق العيون وحبيس التراب، ثم لا تدري أينعم بعدك أم يبأس؟ قلت: لا يصنع اللَّه بك إلا خيرا.

ثم قام إلى فرسه، فلما أقبل برقت لي بارقة من تحت الدرع، فإذا ثدي كأنه حقّ «١» عاج، قلت: نشدتك اللَّه، امرأة أنت؟ قالت: إي واللَّه، وتكره العهر، وتحب الغزل! قلت: وأنا واللَّه كذلك! فجلست واللَّه تحدثني ما أنكر من أمرها شيئا، حتى مالت على الدوحة سكرى؛ فاستحسنت واللَّه يا ابن أبي ربيعة الغدر، وزيّن في عيني؛ ثم إن اللَّه عصمني؛ فما لبثت أن انتبهت مذعورة، فلاثت عمامتها برأسها، وأخذت الرمح، وجالت في متن فرسها؛ فقلت: مضيت ولم تزوّديني منك زادا! فأعطتني بنانها فشممت واللَّه منها كالنبات الممطور زهر «٢» الثلج؛ ثم قلت: أين الموعد؟ قالت: إن لي إخوة شرسا «٣» وأبا غيورا، واللَّه لأن أسرّك أحبّ إليّ من أن أضرّك! ثم مضت فكان واللَّه آخر العهد بها إلى يومي هذا، وهي التي بلّغتني هذا المبلغ وأحلّتني هذا المحل! قال: فدخلتني له رقّة؛ فلما انقضى الموسم شددت على ناقتي وشدّ على ناقته، وحملت غلاما لي على بعير، وحملت عليه قبة حمراء من أدم كانت لأبي ربيعة،