للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه بالأمس، على مثل حالنا وأفضل، حتى إذا كان ذلك الوقت وثب قائما، ثم قال يا إسحاق، لا ترم «١» ، فإني أجيئك، وقد عزمت على الصبحة. فما هو إلا أن فارقني حتى تصوّر لي ما كنت فيه، فإذا هو شيء لا يصبر عنه إلا جاهل فنهضت. فقال لي الغلمان: اللَّه اللَّه. وإنه أنكر علينا تخليتك وطالبنا بك، وقال، لم تركتموه؟ ولا نحسبك إلا تحب الإيقاع بنا. فقلت: واللَّه لا نال أحدكم بسببي مكروه أبدا. ولكن أبادر بحاجتي، واللَّه لا كان لي حبس ولا تريّث، وأمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه إذا دخل أبطأ، وأنا موافيكم قبل خروجه إن شاء اللَّه.

قال: فمضيت، فما شعرت إلا وأنا في الزقاق، فوافيت الزنبيل على ما كان عليه فأقعدت فيه وأصعدت، وصرت إلى الموضع [الذي كنت فيه البارحة] ، فلم ألبث إلا هنيهة وإذا بها قد طلعت، فقالت: ضيفنا؟ قلت: إي واللَّه. قالت: أو قد عاودت؟ قلت: نعم، وأظنّ أني قد أثقلت. فقالت: مادح نفسه يقرئك السلام فقلت:

هفوة، فمني بالصفح، قالت: قد فعلنا فلا تعد، قلت: إن شاء اللَّه.

ثم جلست، وأخذنا فيما كنا فيه من المذاكرة والإنشاد والشرب، ولم نزل على تلك الحال وأفضل، وقد أنست وانبسطت بعض الانبساط، وهي مع ذلك لا تزال تقول:

لو كنت على ما أنت عليه أحكمت من تلك الصنعة شيئا، لقد تناهيت وبرعت.

فأقول: واللَّه لقد حرصت على ذلك وجهدت فيه فما رزقته ولا قدرت عليه. ثم قلت: جعلت فداك، لا تخلينا مما كان من فضلك البارحة. فأخذت في الأغاني، وكلما مر صوت طيب قالت: أتدري لمن هذا؟ فأقول: لا! فتقول: لإسحاق! فأقول: وإسحاق هكذا في الحذق! فتقول. بخ إسحاق في هذا البيت بديع الصوت، وعميق الغناء. فأقول: سبحان اللَّه! لقد أعطي إسحاق هذا ما لم يعطه أحد! فتقول:

لو سمعت هذا منه لكنت أشدّ استحسانا له وكلفا به.

حتى إذا كان ذلك الوقت وجاءت العجوز، نهضت وودعتها، وبادرت جارية ففتحت الباب فخرجت منه.