فقلت: واللَّه لقد جمع اللَّه لك خلال «١» الفضل، وحباك بالكمال الرائع، والعقل الزائد، والأخلاق المرضية، والأفعال السنية. فقالت: أما تعرف لمن هذا الصوت ومن غنّى به؟ قلت: لا واللَّه. قالت: الغناء لإسحاق، والشعر لفلان، وكان سببه كذا وكذا ... فقلت: هذا واللَّه أحسن من الغناء.
فلم تزل تلك حالها في كل صوت تغنيه، ومع ذلك تشرب وأشرب؛ حتى إذا كان عند انشقاق الفجر، جاءت عجوز كأنها داية «٢» لها، فقالت: أي بنية، إن الوقت قد حضر، فإذا شئت فانهضي. فلما سمعت مقالها نهضت؛ فقالت: عزمت؟ قلت: إي واللَّه. فقالت: مصاحبا للسلامة، [عزمت] عليك لتسترنّ ما كنا فيه، فإن المجالس بالأمانة. فقلت جعلت فداك، أفأحتاج إلى وصية في ذلك؟
فودعتها وودعتني، وقالت: يا جارية، بين يديه. فأتي بي باب في ناحية الدار ففتح لي وأخرجت منه إلى طريق مختصرة، وبادرت البيت، فصليت ووضعت رأسي، فما انتبهت إلا ورسل الخليفة على الباب؛ فقمت فركبت فسرت إليه، فلما مثلت بين يديه قال لي: يا إسحاق، جفوناك بما كنا ضمنّاه لك، وتشاغلنا عنك. فقلت: يا سيدي، ليس شيء آثر عندي وأسرّ إلى قلبي من سرور يدخل على أمير المؤمنين فإذا كمل سروره وطاب عيشه فعيشنا يطيب وسرورنا يتصل بسروره. ثم قال: ما كانت حالتك؟ قلت: يا سيدي كنت اشتريت من السوق صبية، وكنت متعلق القلب بها، فلما تشاغل أمير المؤمنين عني، وقد كانت فيّ بقية طالبتني نفسي بها، فمضيت مسرعا وأحضرتها، وأحضرت نبيذا فسقيتها وشربت معها، وغلب عليّ السكر فقطعت عما أردت، وذهب بي النوم إلى أن أصبحت. فقال لي: ما أكثر ما يتهيأ على الناس من هذا. فهل لك في مثل ما كنا فيه أمس؟ فقلت: يا أمير المؤمنين وهل أحد يمتنع من ذلك؟ قال: فإذا شئت [فانهض بنا] فنهض ونهضت، فصرنا إلى المجلس الذي كنا