للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانني لا اتخلص منه إلا بشرح قصتي وأكشف له عن حالي، وعلمت أني إن قلت له ذلك طالبني بمعرفة الموضع والمسير إليه، مع ما كان غلب عليه من الميل إلى النساء؛ فقلت لها: أتأذنين في ذكر شيء خطر ببالي؟ قالت: قل ما بدا لك. قلت: جعلت فداك، إني أراك ممن يقول بالغناء، ويعجب به وبالأدب ولي ابن عم هو أحسن مني وجها، وأشرف قدرا، وأكثر أدبا، وأعز معرفة، وأنا تلميذ من تلاميذه، وحسنة من حسنانه؛ وهو أعرف الناس بغناء إسحق! قالت: طفيلي ومقترح! لم ترض أن سمحنا لك ثلاثة أيام، حتى طلبت أن تأتي معك بآخر؟ فقلت لها: جعلت فداك، ذكرته لتكوني أنت المحكمّة، فإن أذنت وأردت ذلك وإلا فلا أذكره. فقالت: إن كان ابن عمك هذا على ما ذكرت فلا نكرة أن نعرفه، فقلت: هو واللَّه أكثر مما وصفت! فقالت: إن شئت فالليلة الآتية أئت به.

ثم حضر الوقت فنهضت حتى وافيت منزلي، وإذا برسل الخليفة قد هجموا على منزلي وأصحاب الشرطة؛ فلما بصروا بي سحبت على ما بي بحالتي تلك، حتى انتهوا بي إلى الدار؛ فإذا المأمون جالس على كرسي وسط الدار، مغتاظ حرد»

؛ فقال:

أخروجا عن الطاعة؟ قلت: لا واللَّه يا أمير المؤمنين، إنه كانت لي قصة أحتاج فيها إلى الخلوة. فأومأ إلى من كان واقفا فتنحّوا، فلما خلونا قلت: كان من خبري كذا وكذا، وفعلت وصنعت ...

فو اللَّه ما فرغت من حديثها حتى قال: يا إسحق، أتدري ما تقول؟ فقلت: إي واللَّه! إني لأدري! فقال: ويحك! كيف لي مشاهدة ما شاهدت؟ قلت: ما إلى ذلك سبيل! قال: لا بد أن تتلطف وتوصّلني إليها؛ فهذا ما بقي لي صبر عنه! قلت: واللَّه إني قد تفكرت في قصتها وفيما قدمت عليه من عصيانك، وعلمت أنه لا ينجيني إلا الصدق وكشف الحال، وعلمت أنك تطالبني به أشدّ مطالبة فقدّمت لها ذكرك، ووعدتني في أمرك بكذا وكذا. قال: أحسنت واللَّه لولا ذلك لنا لك مني كلّ مكروه! قلت: فالحمد للَّه الذي سلّم.