للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم نهض ونهضت إلى مجلسنا، وأخذنا في لذتنا، وهو مع ذلك يقول: يا إسحق، صف لي حالها، واشرح لي أمرها! فقطعنا يومنا في مذاكرتها إلى أن مضى النهار، فلما أن مضى من الليل هدأة «١» جعل يقول: ما جاء الوقت! وأنا أقول بقي قليل؛ والقلق غالب عليه، حتى جاء الوقت، فنهضنا وخرجنا من بعض أبواب القصر؛ معنا غلام، وهو على حمار وأنا على حمار. فلما صرنا بالقرب من منزلها نزلنا، ثم سلمنا الحمارين للغلام، وقلنا له:

انصرف، فإذا كان الفجر فكن ههنا بالحمارين وأقبلنا نمشي متنكرين وأنا أقول:

يجب أن تظهر برّي بحضرتها وإكرامي. وتطرح نخوة «٢» الخلافة وتجبّر الملك، بل كن كأنك تبع لي! وهو يقول: نعم أو يحتاج أن توصيني؟ ثم قال: ويحك يا إسحق! فإن قلت لي غنّ كيف أصنع؟ قلت: أنا أكفيك وأدفعها عنك برفق.

فلما صرنا إلى الزقاق إذا بزنبيلين «٣» معلقين بثمان حبال، فقعد كل منا في واحد وجذبتا الجواري، وإذا نحن في السطح؛ وبادرن بين أيدينا حتى انتهينا إلى المجلس، فأقبل المأمون يتأمل الفرش والدار والزّي، ويتعجب عجبا شديدا؛ ثم قعدت في موضعي الذي كنت أقعد فيه، وقعد المأمون دوني في المرتبة، ثم أقبلت فسلمت، فما تمالك أن بهت من حسنها، فقالت حيّا اللَّه ضيفنا! فو اللَّه ما أنصفت ابن عمك، ألا رفعت مجلسه؟ فقلت ذلك إليك، جعلت فداءك! فقالت [له] : ارتفع فديتك فأنت جديد، وهذا قد صار من أهل البيت، ولكل جديد لذة! فنهض المأمون حتى صار في صدر المجلس، ثم أقبلت عليه تذاكره وتناشده وتمازحه، وهو يأخذ معها في كل فن، ويفخمها قال ثم التفتت إلي وقالت: وفيت بوعدك وصدقت في قولك ووجب شكرك على صنيعك! قال: ثم أحضر نبيذ وأخذنا في الشراب، وهي مع ذلك مقبلة عليه وهو مقبل عليها، ومسرورة به