ثم دعا لهم بما في خزائنه من طرائق حلل الملوك، كل رجل منهم حلّة، وعمّمه عمامة، وختّمه بياقوتة؛ وأمر لكل رجل منهم بنجيبة مهرية وفرس نجيبة، وكتب معهم كتابا:
أما بعد، فإن الملك ألقى إليّ من أمر العرب ما قد علم، وأجبته بما قد فهم بما أحببت أن يكون منه على علم، ولا يتلجلج في نفسه أن أمة من الأمم التي احتجزت دونه بمملكتها، وحمت ما يليها بفضل قوّتها، تبلغها في شيء من الأمور التي يتعزّز بها ذو والحزم والقوة والتدبير والمكيدة. وقد أوفدت أيها الملك رهطا من العرب؛ لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم؛ فليسمع الملك، وليغمض عن جفاء إن ظهر من منطقهم، وليكرمني بإكرامهم وتعجيل سراحهم، وقد نسبتهم في أسفل كتابي هذا إلى عشائرهم.
فخرج القوم في أهبهتم حتى وقفوا بباب كسرى بالمدائن، فدفعوا إليه كتاب النعمان، فقرأه وأمر بإنزالهم إلى أن يجلس لهم مجلسا يسمع منهم. فلما أن كان بعد ذلك بأيام، أمر مرازبته «١» ووجوه أهل مملكته، فحضروا وجلسوا على كراسيّ عن يمينه وشماله؛ ثم دعا بهم على الولاء والمراتب التي وضعهم النعمان بها في كتابه؛ وأقام التّرجمان ليؤدي إليه كلامهم، ثم أذن لهم في الكلام.
فقام أكثم بن صيفيّ فقال: إن أفضل الأشياء أعاليها، وأعلى الرجال ملوكها، وأفضل الملوك أعمّها نفعا، وخير الأزمنة أخصبها، وأفضل الخطباء أصدقها.
الصدق منجاة، والكذب مهواة، والشرّ لجاجة «٢» ، والحزم مركب صعب، والعجز مركب وطيء. آفة الرأي الهوى، والعجز مفتاح الفقر، وخير الأمور الصبر. حسن الظن ورطة، وسوء الظن عصمة. إصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي.
من فسدت بطانته كان كالغاصّ بالماء. شر البلاد بلاد لا أمير بها. شر الملوك من