قال: حريث بن حسّان الشّيباني، وافد بكر بن وائل عاويا ذا صياح. فقالت أختي:
الويل لي، لا تخبرها فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها، ليس معها أحد من قومها. قال: لا ذكرته.
قالت: وسمعت ما قالا: فغدون إلى جملي فشددت عليه، ثم نشدت عنه فوجدته غير بعيد. فسألته الصّحبة فقال: نعم وكرامة، وركابه مناخة عنده.
قالت: فسرت معه صاحب صدق؛ حتى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلي بالناس صلاة الغداة: قد أقيمت حين شق الفجر، والنجوم شابكة في السماء، والرجال لا تكاد تعارف من ظلمة الليل؛ فصففت مع الرجال؛ وأنا امرأة قريبة عهد بجاهلية؛ فقال الرجل الذي يليني من الصف: امرأة أنت أم رجل؟ فقلت: لا بل امرأة. فقال:
إنك كدت تفتنيني، فصلّي في النساء وراءك. فإذا صفّ من نساء قد حدث عند الحجرات لم أكن رأيته إذ دخلت؛ فكنت فيهن؛ حتى إذا طلعت الشمس دنوت؛ فجعلت إذا رأيت رجلا ذا رواء وذا قشر «١» طمح إليه بصري لأرى رسول الله فوق الناس، حتى جاء رجل؛ فقال: السلام عليك يا رسول الله. فقال: وعليك السلام ورحمة الله. وعليه تعني النبي صلّى الله عليه وسلّم- أسمال ملّيتين، كانتا مزعفرتين وقد نفضتا؛ ومعه عسيّب نخلة مقشوّ «٢» غير خوصتين من أعلاه: وهو قاعد القرفصاء. فلما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متخشّعا في الجلسة أرعدت من الفرق، فقال جليسه: يا رسول الله، أرعدت المسكينة. فقال رسول الله، ولم ينظر إلي وأنا عند ظهره: يا مسكينة، عليك السكينة.
قالت: فلما قالها صلّى الله عليه وسلّم أذهب الله ما كان دخل في قلبي من الرعب.
وتقدّم صاحبي أول رجل فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول الله، اكتب بيننا وبين تميم كتابا بالدّهناء لا يجاوزها إلينا منهم إلا مسافر أو مجاوز.