أمّا الموضوعات التيّ تناولها العقد، فقد تنوّعت وتوزّعت بين السياسة والسلطات، والحروب ومدار أمرها، والأمثال والمواعظ، والتّعازي والمراثي وكلام الأعراب وخطبهم وأنسابهم وعلومهم وأدابهم وأيّامهم واخبار مشهوريهم من الخلفاء والقادة، هذا فضلا عن تضمينه كتابه كثيرا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وكثيرا من الأشعار والأخبار التاريخية، وإثباته لنفسه كثيرا من القصائد التي وردت على شكل معارضات لشعر كبار الشعراء في الموضوعات التي استشهد بأشعارهم عليها.
وقد صاغ صاحب العقد موضوعاته وما تضمّنها من معلومات بأسلوب أدبيّ، واضح بحيث نراه يهذّب كلّ ما جمعه، ويصفّيه من الأسانيد التاريخية لأنّ غايته من تأليف كتابه كانت أدبيّة بحتة، هذا ونلاحظ في كتابه ميلا إلى الفكاهة والدّعابة، ونزوعا إلى القصص والنّوادر والنكات، فنراه في كتابه يذكر الكثير من ذلك أو لا يستنكف عن ذكر بذيء اللفظ وسافل المعنى، ورغم كلّ ذلك فإنّ المسحة الأدبيّة تبدو قويّة في كتابه بحيث يشعر بها كلّ من يقرأ العقد أو يتصفّحه فقد أراد الرجل أن يكون كتابه «مجموعة من متخيّر الآداب ومحصول جوامع البيان» وقد وفّق إلى ذلك وسبق الكثيرين ممّن ألفّوا على شاكلة كتابه، وامتاز على غيره بالوضوح والسهولة وحسن الترتيب والتنسيق حتى غدا كتابه كلّا متماسكا وسفرا جامعا لأكثر علوم عصره إن لم نقل كلّها، هذا وقد تضمّن العقد «ما لا يقل» عن عشرة آلاف بيت من الشعر لأكثر من مئتي شاعر من العصر الجاهلي والأموي والعباسي، وربّما يصعب أن نذكر شاعرا معروفا لا نرى عنه خبرا أو نتفا من شعره، استشهد بها ابن عبد ربه لمناسبة ما فضلا عن تخصيصه كتابا لأعاريض الشعر وعلل القوافي، كما تضمّن العقد خطبا كثيرة ورسائل عديدة لكثير من الأدباء والمتراسلين..
كذلك فإنّ في العقد فصولا نقدية قيّمة نقلها من الكتب السابقة لكتابه ويجدر بمن يتعاطى مهنة الأدب أن يطلع عليها للإفادة منها، كما أن فيه فصولا دينية قيّمة، فقد ذكرنا من قبل أنّ الرجل كان فقيها، فلا غرو إذا ظهرت في كتابه الثقافة الدينية بمختلف فروعها، ونستطيع في هذا المجال أن نلاحظ أخبار كثير من الائمة الذين تقدّموه كما نلاحظ كثيرا من أقوالهم وأحكامهم وفتاويهم في بعض المسائل.