وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات ابن آدم، انقطعَ عملُهُ إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو ولدٍ صالح يدعُو له، أو علم ينتفعُ به من بعده". [أخرجه مسلم (١٦٣١)، والترمذي (١٣٧٦)، وأبو داود (٣٢٨٠)، والنسائي (٦/ ٢٥١)، وأحمد (٢/ ٣٨٢)، والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم: ٣٨) من حديث أبي هريرة. فأخبر أنه إنما ينتفع بما كان تسبب فيه في الحياة، وما لم يكن تسبَّب فيه في الحياة فهو منقطع عنه. واستدل المقتصرون على وصول العبادات التي تدخلها النيابة كالصدقة والحجَّ بأن النوع الذي لا تدخله النيابةُ بحال، كالإسلام والصلاة والصوم، وقراءة القرآن، يختص ثوابه بفاعله لا يتعدَّاه، كما أنه في الحياة لا يفعلُه أحدٌ عن أحد، ولا ينوبُ فيه عن فاعله غيرُه، وقد روى النسائي بسنده [في الكبرى (٤/ ٤٣/ ١)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (٣/ ١٤١) موقوفًا على ابن عباس، وسنده صحيح، ولا يعرف في المرفوع] عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يصلِّي أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصومُ أحدٌ عن أحدٍ، ولكن يُطعِمُ عنه مكان كُلِّ يومٍ مُدًّا من حنطةٍ". والدليلُ على انتفاع الميت بغير ما تسبب فيه: "الكتابُ والسنة والإجماع والقياس الصحيح. أما الكتاب: فقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: ١٠]، فاثنى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم، فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء، وقد دل على انتفاع الميت بالدعاءِ إجماعُ الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة، والأدعية التي وردت بها السنة في صلاةِ الجنازة مستفيضة، وكذا الدعاءُ له بعد الدفن، ففي سنن أبي داود -[٣٢٢١، والبيهقي في "السنن" (٤/ ٥٦)، والبغوي في "شرح السنة" (رقم: ١٥٢٣) وسنده قوي. حسّنه النووي في الأذكار، والحافظ في "أماليه"، والحاكم (١/ ٣٧٥) ووافقه الذهبي]- من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فَرَغَ من دفنِ الميت وقف عليه، فقال: "استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنهُ الآن يُسأل". وكذلك الدعاءُ لهم عند زيارة قبورهم، كما في صحيح مسلم -[٩٧٥، والنسائي (٤/ ٩٤، وابن ماجه (١٥٤٧)، والبغوي في "شرح السنة" (رقم: ١٥٥٥)، وأحمد في المسند (٥/ ٣٥٣، ٣٦٠)]- من حديث بُريدة بن الحصيب، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُهُم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: (السلامُ عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا =