للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأَمْوَاتَ، فَإنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (١) [صحيح]

(وعنْ عائشةَ قالتْ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تسبُّوا الأمواتَ فإنَّهم قدْ أفْضَوْا) أي: وصلُوا (إلى ما قدَّموا) من الأعمالِ (رواهُ البخاري). الحديثُ دليل على تحريم سبِّ الأمواتِ، وظاهرُه العمومُ للمسلمِ والكافرِ، وفي الشرحِ الظاهرُ أنهُ مخصَّصٌ بجوازِ سبِّ الكافرِ لما حكاهُ اللَّهُ منْ ذمِّ الكفارِ في كتابهِ العزيزِ كعادٍ وثمودَ وأشباهِهم.

قلتُ: لكنَّ قولَه: قدْ أفْضَوْا إلى ما قدَّمُوا علةٌ عامةٌ للفريقين معناها أنهُ لا فائدةَ تحتَ سبِّهم والتفكُّهِ بأعراضِهم، وأما ذكرُه تعالى للأمم الخاليةِ بما كانُوا فيهِ منَ الضلالِ فليسَ المقصودُ ذمَّهم بل تحذيرًا للأمةِ منْ تلكَ الأفعالِ التي أفضتْ بفاعِلها إلى الوبالِ، وبيانِ محرَّمات ارتكبوهَا. وذكرُ الفاجرِ بخصالِ فجورِه لغرضٍ جائزٌ، وليسَ منَ السبِّ المنهيِّ عنهُ فلا تخصيصَ بالكفارِ.

نَعَمْ الحديثُ مخصَّصٌ ببعضِ المؤمنينَ كما في الحديثِ: "أنهُ مرَّ عليه - صلى الله عليه وسلم - بجنازةٍ فأثنُوا عليها شَرًّا" الحديثَ. وأقرَّهم - صلى الله عليه وسلم - على ذلكَ بلْ قالَ: وجبتْ، أي: النارُ، ثمَّ قالَ: أنتمْ شهداءُ اللَّهِ" (٢).

ولا يُقالُ: إنَّ الذي أثْنَوا عليهِ شرًا ليس بمؤمن، لأنهُ قدْ أخرجَ الحاكمُ في ذَمِّهِ: بئسَ المرءُ كانَ، لقدْ كانَ فظًا غليظًا"، والظاهرُ أنهُ مسلمٌ إذْ لو كانَ كافرًا لما تعرَّضُوا لذمِّهِ بغيرِ كُفْرِهِ. وقدْ أجابَ القرطبيُّ عنْ سبِّهم لهُ، وإقرارِهِ - صلى الله عليه وسلم - لهمْ بأنهُ يحتملُ أنهُ كانَ مستظهِرًا بالشرِّ ليكونَ منْ بابِ لا غيبةَ لفاسقٍ، أوْ بأنهُ يحملُ النهيَ عنْ سبِّ الأمواتِ على ما بعدَ الدفنِ.

قلتُ: وهوَ الذي يناسبُ التعليلَ بإفضائِهم إلى ما قدَّموا؛ فإنَّ الإفضاءَ الحقيقيَّ بعدَ الدفنِ.

٦٢/ ٥٦١ - وَرَوى التِّرْمِذِيُّ (٣) عَنِ الْمُغِيرَةِ - رضي الله عنه - نَحْوَهُ، لكِنْ قَالَ: "فَتُؤْذُوا الأَحْيَاءَ". [صحيح]


(١) في "صحيحه" (١٣٩٣) وطرفه رقم (٦٥١٦).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٦٧)، ومسلم (٦٠/ ٩٤٩) من حديث أنس.
(٣) في "السنن" (١٩٨٢) وقال: وقد اختلف أصحابُ سفيان في هذا الحديث، فروى بعضهم =