للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لداودَ (١)، وبعضِ الشافعيةِ، فإنَّهم قائلونَ إنها سنةٌ، وتأوَّلُوا فرضَ بأنَّ المرادَ قدر، وردَّ هذا التأويلُ بأنهُ خلافُ الظاهرِ.

وأما القولُ بأنَّها كانتْ فرضًا ثم نُسِخَتْ بالزكاةِ لحديثِ قيسِ بن سعدِ بن عبادةَ (٢): "أمَرَنَا رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بصدقةِ الفطرِ قبلَ أن تنزلَ الزكاةُ، فلمَّا نزلتِ الزكاةُ لم يأمرْنا ولم ينْهنا"، فهوَ قولٌ غيرُ صحيحٍ، لأنَّ الحديثَ فيهِ راوٍ مجهولٌ ولوَ سلِمَ صحتُه فليسَ فيهِ دليل على النسخ لأنَّ عدمَ أمرِه لهم بصدقةِ الفطرِ ثانيًا لا يشعرُ بأنَّها نسختْ، فإنهُ يكفي الأمرُ الأَولُ ولا يرفعُه عدمُ الأمرِ.

والحديثُ دليلٌ على عموم وجوبها علَى العبيدِ والأحرارِ، الذكورِ والإناثِ صغيرًا وكبيرًا غنيًا وفقيرًا. وقدْ أَخرجَ البيهقيُّ (٣) منْ حديثِ عبدِ اللَّهِ بن ثعلبةَ أو ثعلبةَ بن عبدِ اللَّهِ مرفوعًا: "أدُّوا صاعًا منْ قمحٍ عنْ كلِّ إنسانٍ ذكرٍ أو أنثى، صغير أو كبير، غني أو فقير، حرٌّ أو مملوك. أما الغنيُّ فيزكيهِ اللَّهُ، وأمَّا الفقيرُ فيردُّ اللَّهُ عليهِ أكثرَ مما أعطَى". قالَ المنذريُّ في مختصرِ السننِ (٤): في إسنادهِ النعمانُ بنُ راشدٍ لا يُحْتَجُّ بحديثهِ، (نعمْ) العبدُ تلزمُ مولاهُ عندَ مَنْ يقولُ إنهُ لا يملكُ، ومَنْ يقولُ إنهُ يملكُ تَلزَمُه، وكذلك الزَّوْجَةُ يَلْزَمُ زَوْجَهَا، والخادِمُ


(١) انظر: "الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي" لعارف خليل محمد أبو عيد، ص ٥٥٩. "وبداية المجتهد" لابن رشد الحفيد - بتحقيقنا (٢/ ١٢٩).
قلت: أما ابن حزم فقد نقل وجوبها على كل مسلم [المحلَّى ٦/ ١٦٤].
(٢) أخرجه النسائي (٥/ ٤٩ رقم ٢٥٠٧)، وابن ماجه (١٨٢٨)، والحاكم (١/ ٤١٠)، والبيهقي (٤/ ١٥٩). من طريق سلمة بن كُهيل عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي عمار الهمداني، عن قيس بن سعد، به.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وصحَّحه الألباني في صحيح النسائي.
قلت: وأخرجه النسائي (٥/ ٤٩ رقم ٢٥٠٦) من طريق الحكم بن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة عن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد، به.
قال النسائي: "وسلمة بن كُهيل خالف الحكم في إسناده، والحكم أثبت من سلمة بن كُهيل". قلت: وكلا السندين رجاله ثقات معروفون.
والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(٣) في "السنن الكبرى" (٤/ ١٦٣ - ١٦٤).
(٤) (٢/ ٢٢٠).