للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهوَ يدلُّ على أنهُ لا يصحُّ الصيامُ إلَّا بتبييت النيةِ، وهوَ أنْ ينويَ الصيامَ في أيِّ جزءٍ منَ الليلِ، وأولُ وَقتِها الغروبُ، وذلكَ لأنَّ الصومَ عملٌ، والأعمالُ بالنياتِ، وأجزاءُ النهارِ غيرُ منفصلةٍ منَ الليلِ بفاصلٍ يتحققُ، فَلَا يتحققُ إلَّا إذا كانتِ النيةُ واقعةً في جزءِ الليلِ، وتشترطُ النيةُ لكلِّ يومٍ على انفرادهِ، وهذا مشهورٌ منْ مذهبِ أحمدَ (١)، ولهُ قولٌ: أَنَّهُ إِذَا نَوَى مِنْ أَوَّلِ الشّهرِ تُجزئُهُ، وَقَوَّى هَذَا القَولَ ابنُ عَقيلٍ بِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لكلِّ امرئٍ ما نَوَى" (٢)، وهذَا قدْ نَوَى جميعَ الشهرِ، ولأنَّ رمضانَ بمنزلةِ العبادةِ الواحدةِ لأنَّ الفطرَ في لياليهِ عبادةٌ أيضًا يُستعانُ بها على صومِ نهارهِ، وأطالَ في الاستدلالِ على هذَا بما يدلُّ على قوَّتِهِ. والحديثُ عامٌّ للفرضِ، والنفلِ، والقضاءِ، والنذرِ مُعَيَّنًا، ومطلقًا. وفيهِ خلافٌ وتفاصيلُ.

واستدلَّ مَنْ قالَ بعدم وجوبِ التبييتِ بحديثِ البخاريِّ (٣): "أنهُ - صلى الله عليه وسلم - بعثَ رجلًا ينادي في الناسِ يومَ عاشوراءَ: إنَّ مَنْ أكلَ فليتمَّ أو فليصمْ، ومَنْ لمْ يأكلْ فلا يأكلْ"، قالُوا: وقدْ كانَ واجبًا، ثمَّ نُسِخَ وجوبُه بصومِ رمضانَ، ونَسْخُ وجوبهِ لا يرفعُ سائرَ الأحكامِ فقيسَ عليهِ رمضانُ وما في حُكمهِ منَ النذَرِ المعيَّنِ والتطوعِ، فخصَّ عمومَ "فلا صيامَ لهُ" بالقياسِ، وبحديثِ عائشةَ الآتي، فإنهُ [دلَّ] (٤) على أنهُ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يصومُ تطوعًا من غيرِ تبييتِ النيةِ. وأجيبَ بأنَّ صومَ عاشوراءَ غيرُ مساوٍ لصومِ رمضانَ حتَّى يقاسَ عليهِ، فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - ألزمَ الإمساكَ لمنْ قدْ أكلَ ولمنْ لم يأكلْ، فعلمَ أنهُ أمرٌ خاصٌ، ولأنهُ إنَّما أجزأَ عاشوراءَ [من غير] (٥) تبييتِ لتعذرِه، فيقاسُ عليهِ ما سواهُ، كمنْ نامَ حتَّى أصبحَ على أنهُ لا يلزمُ منْ تمامِ الإمساكِ ووجوبهِ أنهُ صومٌ مُجْزِئٌ. وأما حديثُ عائشةَ وهوَ قوله:

٨/ ٦١٧ - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ،


(١) انظر: "المغني" لابن قدامة (٣/ ٢٦، ٢٣).
(٢) وهو جزء من حديث صحيح.
أخرجه البخاري (١)، ومسلم (١٥٥ و ١٩٠٧)، والترمذي (١٦٤٧)، وأبو داود (٢٢٠١)، والنسائي (١/ ٥٨)، وابن ماجه (٤٢٢٧)، وأحمد (١/ ٢٥، ٤٣).
(٣) في "صحيحه" (رقم: ١٨٢٤ - البغا)، ومسلم (١١٣٥).
(٤) في (أ): "دال".
(٥) في (ب): "بغير".