للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

موسِرًا؛ فالمعسِرُ تثبتُ [الكفارة] (١) في ذمتهِ على أحدِ قولينِ للشافعيةِ، ثانيْهمَا لا تستقرُّ في ذمتهِ لأنهُ - صلى الله عليه وسلم - لم يبيِّنْ لهُ أنَّها باقيةٌ عليهِ. واختُلِفَ في الرقبةِ فإنَّها هنا مطلقةٌ، فالجمهورُ قَيَّدُوها بالمؤمنةِ حملًا للمطلقِ هنا عَلى المقيَّدِ في كفَّارَةِ القَتْلِ قَالُوا: لِأنّ كَلامَ اللَّهِ في حُكمِ الخِطابِ الوَاحِدِ فَيتَرتّبُ فِيه المُطْلَقُ عَلى المقيَّدِ. وقَالتِ الحنفيَّةُ: لَا يُحْمَلُ المُطْلَقُ على المقيدَ مطلقًا، فتجزئُ الرقبةُ الكافرةُ. وقيلَ: يفصَّلُ في ذلكَ، وهوَ أنهُ يقيدُ المطلقُ إذا اقتضَى القياسُ التقييدَ فيكونُ تقييدًا بالقياسِ كالتخصيصِ بالقياسِ، وهوَ مذهبُ الجمهورِ، والعلةُ الجامعةُ هنا هوَ أن جميعَ ذلكَ كفارةٌ عنْ ذنبٍ مكفرٍ للخطيئةِ، والمسألةُ مبسوطةٌ في الأصولِ. ثمَّ [إن] (٢) الحديثُ ظاهرٌ في أن الكفارةَ مرتبةٌ على ما ذُكِرَ في الحديثِ، فلا يجزئُ العدولُ إلى الثاني معَ إمكانِ الأولِ، ولا إلى الثالثِ معَ إمكانِ الثاني لوقوعهِ مُرَتَّبًا في روايةِ الصحيحينِ. وَرَوَى الزُّهريُّ الترتيبَ عنْ ثلاثينَ نفسًا أوْ أكثرَ. ورواية التخييرِ مرجوحةٌ معَ ثبوتِ الترتيبِ في الصحيحينِ. ويؤيدُ روايةَ الترتيب أنهُ الواقعُ في كفارةِ الظهارِ، وهذهِ الكفارةُ شبيهةٌ بها. وقولُه: "ستينَ مسكينًا" ظاهر مفهومه أنهُ لا يجزئُ إلا إطعامُ هذَا العدد فلا يجزئُ أقلُّ منْ ذلكَ. وقالتِ الحنفيةُ: يجزئُ الصرفُ في واحدٍ، ففي القَدُورِيِّ منْ كتُبِهمْ فإنْ أطعمَ مسكينًا واحدًا ستينَ يومًا أجزأَه عندَنا، وإنْ أعطاهُ في يومٍ واحدٍ [لا يجزه] (٣) إلَّا عنْ يومهِ. وقولُه: "اذهبْ فأطعمْه أهلَكَ"، فيهِ قولانِ للعلماءِ هما:

أنَّ هذهِ كفارةٌ، ومنْ قاعدةِ الكفاراتِ أنْ لا تصرفَ في النفس لكنهُ - صلى الله عليه وسلم - خصَّهُ بذلكَ، وردَّ بأنَّ الأصلَ عدمُ الخصوصيةِ.

الثاني: أن الكفارةَ ساقطةٌ عنهُ لإعسارهِ، ويدلُّ له حديثُ عليٍّ - عليه السلام -: "كُلْهُ أنتَ وعيالُك فقدْ كفَّر الله عنكَ" (٤) إلَّا أنهُ حديثٌ ضعيفٌ، أو أنَّها باقيةٌ في ذمتهِ، والذي أعطاهُ - صلى الله عليه وسلم - صدقةٌ عليهِ وعلى أهلهِ لما عَرفَهُ - صلى الله عليه وسلم - منْ حاجتِهم. وقالتِ


(١) زيادة من (أ).
(٢) زيادة من (أ).
(٣) في (ب): "لم يجزه".
(٤) أخرجه الدارقطني في "السنن" (٢/ ٢٠٨ رقم ٢١) وفيه المنذر بن محمد ليس بقوي، وهذا إسناد علوي، وقال في "التلخيص": في إسناده من لا تعرف عدالته.