للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الهادويةُ (١) وجماعةٌ: إنَّ الكفارةَ غيرُ واجبةٍ أصلًا على موسرٍ ولا معسرٍ. قالُوا: لأنهُ أباحَ لهُ أنْ يأكلُ منْها ولوْ كانتْ واجبةً لما جازَ ذلكَ وهوَ استدلالٌ غيرُ ناهضٍ، لأنَّ المرادَ ظاهرٌ في الوجوبِ، وإباحةُ الأكل لا تدلُّ على أنَّها كفارةٌ بلْ فيها الاحتمالاتُ التي سلفتْ. واستدلَّ المهدي في البحرِ (٢) كلى عدمِ وجوب الكفارةِ بأنهُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ للمُجامِعِ: "استغفرِ اللَّهَ وثمْ يومًا مكانَهُ" (٣) ولم يذكرْها. وأَجيبَ عنهُ بأنها قد ثبتت روايةُ الأمرِ بها عندَ السبعةِ بهذَا الحديثِ المذكورِ هُنَا. واعلم أنهُ لم يأمْرهُ في هذهِ الروايةِ بقضاءِ اليومِ الذي جامعَ فيهِ إلَّا أنهُ وردَ في روايةٍ [أخرى] (٤) أخرجَها أبو داودَ (٥) عن أبي هريرةَ بلفظِ: "كُلْهُ أنتَ وأهلُ بيتك وصمْ يومًا واستغفرِ الله". وإلى وجوب القضاءِ ذهبتِ الهادويةُ والشافعيُّ لعمومِ قولهِ تعالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (٦). (وفي) قولٍ للشافعيِّ: أنهُ لا قضاءَ لأنهُ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يأمرْهُ إلا بالكفارةِ لا غيرُ. (وأجيبَ) بأنهُ اتكلَ - صلى الله عليه وسلم - على ما علمَ منَ الآيةِ. هذا حكمُ ما يجبُ على الرجلِ. وأما المرأةُ التي جامعَها فقد استدلَّ بهذَا الحديثِ أنهُ لا يلزمُ إلا كفارةٌ واحدةٌ، وأنَّها لا تجبُ على الزوجةِ، وهوَ الأصحُّ منْ قولي الشافعيِّ، وبهِ قال الأوزاعي. وذهبَ الجمهورُ (٧) إلى وجوبِها على المرأةِ أيضًا قالُوا: وإنَّما لم يذكرْها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معَ الزوجِ لأنَّها لم تعترفْ واعترافُ الزوجِ لا يوجبُ عليْها الحكمَ، أو لاحتمالِ أن المرأةَ لم تكنْ صائمةً بأنْ تكونَ طاهرةً منَ الحيضِ بعدَ طلوعِ الفجرِ، أوْ أن بيانَ الحكمِ في حقِّ الرجلِ يثبتُ الحكمَ في حقِّ المرأةِ أيضًا لما عُلِمَ منْ تعميمِ الأحكامِ، أوْ أنهُ عَرَفَ فقرَها كما ظهرَ منْ حالِ زوجِها.

(واعلمْ) أن هذا حديثٌ جليلٌ كثيرُ الفوائدِ. قالَ المصنفُ في فتحِ الباري (٨): إنهُ قد اعتنَى بعضُ المتأخرينَ ممنْ أدركَ شيوخنَا بهذا الحديثِ فتكلَّمَ عليهِ في مجلدينِ جمعَ فيهما ألفَ فائدةٍ وفائدةٍ، انتهَى. وما ذكرْناهُ فيهِ


(١) انظر: "البحر الزخار" (٢/ ٢٤٩).
(٢) (٢/ ٢٤٩).
(٣) أخرجه سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب كما في "التلخيص" (٢/ ٢٠٧).
(٤) زيادة من (أ).
(٥) في "السنن" (٢٣٩٣)، وهو حديث صحيح.
(٦) سورة البقرة: الآيتان ١٨٤، ١٨٥.
(٧) انظر: "الروض النضير" (٣/ ٧٦).
(٨) (٤/ ١٧٣).